تغريدات الدكتور

‏الدكتور عبد الباسط تركي سعيد‏

القائمة البريدية

المرئيات

تغيرات اسعار النفط وعجز الموازنة


9-3-2020 8:54:58 PM

كنت قد فرغت تقريباً من كتابة ملاحظاتي التالية بشأن مشروع قانون الموازنة العامة لعام ) 2015 ( استكمالا لما اقترحته في مقال سابق نشر في العدد 3073 من جريدة المشرق الصادرة في 26 / 11 / 2014 تضمن مقترحات للمساهمة في معالجة العجز المتوقع للموازنة وعندما تتالت الأنباء بهبوط أسعار النفط الى مادون ال) 50 دولار أمريكي( للبرميل، استعى الامر أعادة النظر بما كنت قد كتبت ومحاولة المزيد من أعادة الصياغة لهذه الملاحظات لتتلائم مع ظرف لا نحسد عليه جميعاً , ولم نكن نتمناه لبلدنا ولشعبنا واقتصاده الوطني. وكالعادة المتوارثة في الأدارة الحكومية للأقتصاد العراقي أن نبدا بالتفكير في أيجاد الحلول بعد وقوع الازمة وليس التخطيط لمنع وقوعها او التنبؤ بها ومواجهتها قبل حدوثها، ولان القرار الأقتصادي هو أختيار بين البدائل المتاحه او الممكنه , فأنَ الخيارات عند وقوع الأزمة تكون معدومة أو محدودة في أحسن الحالات. كنا دائماً ضد العجز المخطط بالموازنة العامة ونعتقد حتى في ظل ظروف البلد وأقتصاده الطبيعية بما فيها أستقرار اسعار النفط عند مستوياتها السابقة فأن هذا الأسلوب من الأدارة المالية سوف يقود ألى عجز حقيقي لاحقاً وجاءات الأزمة الأخيرة لتعجل بذلك كثيراً وبشكل أكثر أتراجيديا وقسوة, والأشكال الرئيسي الأن هو عجز الأيرادات عن تغطية متطلبات الأنفاق الحكومي, وعند مراجعة مشروع الموازنة بصيغته الأولية المتضمن لعجز تجاوز ال) 25 ترليون دينار( نجد انها موازنة تهدف بالدرجة الأساس الى تأمين التمويل, لا ندعي أنصافاً ان الأدارة المالية تعمل في جو طبيعي ومن غير المعقول توقع امكانيتها لحل كل المعضلات التي تواجهها الآن ولكن طريقة أدارة الأزمة تبين أننا جميعاً لم نستفد من التجارب المشابهة وحتى المحلية منها . الموازنة العامة في العراق من الناحية الأقتصادية هي المصدر الرئيسي للأنفاق العام وخلق الطلب الفعال وبدونها فان مزيد من الأنكماش الأقتصادي وخسائر التوظيف للقوى العاملة والموارد الاقتصادية الاخرى سوف تستمر ومن هنا أجد الدعوة الى التعجيل في اصدار قانون الموازنة العامة اكثر فائده من التريث فيها ما لم يكن هناك مبررات مقنعة للتريث, ولذات السبب فان اصدار قانون الموازنة العامة الأتحادية لعام ) 2014 ) في حينه بالاضافة الى كونه قانون واجب الأصدار دستورياً ومن مستلزمات تثبيت مشروعية الصرف حتى وأن كانت بمبالغ المصاريف الفعلية للأشهر المنقضية منها بالأضافه ألى تخصيصات الأشهر اللاحقة, يعد ضرورة لتحفيز الأقتصاد العراقي والمتجه أصلاً ألى المزيد من الأنكماش ولحد الأن لم أجد أي مبرر لعدم أصدار قانونها سيما وان عام ) 2014 ( كان قد شهد بعض المصاريف الأستثنائية غير المغطاة تشريعياً الا ببيان لوزير المالية ولا يمكن البت بسلامة تطبيق هذا البيان الا بعد أنجاز الحسابات الختامية للدولة لعام ( 2014 ( والتي لم تصدر موازنتها بقانون. وحتى تكون هذه الرسالة أكثر فائده فسيتم أختصارها ألى الملاحظات ألتي أعتقد بأهميتها في مشروع قانون الموازنة لعام ) 2015 ( )بصيغتهِ الأوليه( وسوف لن أتناول التفاصيل الكمية الا على وفق ماوردت في متن القانون أذ من المعروف أننا لحد الأن لانضع الموازنة وفقا لأولويات متفق عليها مجتمعي اً بل على أساس البعد التاريخي للنفقة )وهذا ليس مسؤولية وزارة الماليه الآن فقط بل نشترك جميعاً بأستمرار اعتماد هذا الأسلوب(, نحن لم نتفق على معيار لتوزيع المدارس او الجامعات أو المستشفيات في العراق مثلاً على الاقل لعشرة سنوات يتم على أساسها أدراجها في الخطه الأستثمارية, كما أعتدنا أصلاً أن تكون الخطة الأستثمارية أستخدام )لفضلة أو متبقي( ماتحتاجه الموازنة الجارية وليس العكس. ، ورد في الماده )ثانياً( من القانون أسلوب تمويل العجز متضمناً مشروع مديونية خارجية تتكون من 6 ترليون دينار سندات خارجية وما يكمل مبلغي 4،5 مليار دولار و 2 مليار دولار من قرضي صندوق النقد والبنك الدوليين و 500 مليون دولار من البنك الاسلامي للتنمية، كما خولت المادة ) 34 ( من القانون رئيس الوزراء اصدار حوالات وسندات خزينة عند الحاجة لتغطية مستحقات الشركات الاجنبية العاملة بما لا يتجاوز ما مجموعه 12 مليار دولار، واذا اضفنا الى هذه المبالغ السندات الخارجية الصادرة لتغطية مديونية العراق وفقا لنادي باريس فأن احتمالات حجم المديونية الخارجية سوف يزداد. في هذا الجانب ننصح بأن يكون الاقتراض الخارجي، بغض النظر عن الشكل الذي سيتخذه، آخر ملاذ تلجأ اليه الحكومة سيما وان الموارد الاقتصادية الواعدة في العراق وطبيعة الكساد العالمي سوف تسمح بعروض مغرية للاقراض من الجهات الخارجية اذا ما استدرج العراق لها بحجة الضرورة القصوى فأن آثارها قد تستمر لعقود من الزمن. ومن المثير للانتباه هو اعتماد مبلغ ستة تريليون دينار لاصدار سندات الدين العام عن طريق الاحتياطي القانوني للمصارف. ولا ادري كيف سيتم التعامل مع ذلك قانونا، واتمنى ان يكون ذلك عدم وضوح في الصياغة فقط، اذ ان الاحتياطي القانوني هي اموال لا تمتلكها الدولة او البنك المركزي بل هي اموال خاصة توضع تحت ادارة البنك المركزي وفقا لصلاحيات تستخدم عند تعرض المصرف للافلاس او التصفية لضمان اقل خسائر ممكنة للمودعين. لذا فأن التوجه يجب ان يكون باصدار سندات وفقا لاصداريات منوعة تباع للجمهور وبضمنها المصارف، وقد سبق للبنك المركزي وقبل حدوث هذه الازمة في حزيران 2013 ان طلب من وزارة المالية اصدار هذه السندات لتنويع فرص الاستثمار والاوراق المالية التي يمكن اقتنائها من قبل الجمهور الا ان قانون الادارة المالية لم يكن قد اشار لمثل هذه الصلاحية لوزير المالية بل قصرها على حوالات الخزينة لذا كنا قد اقترحنا في حينه اضافتها الى مشروع قانون الموازنة عام 2014 . بالاضافة الى مباشرة البنك المركزي في حينه بدراسة مقترح قدم اليه من الاستاذ موفق حسن بأن يتم تخويل المصارف منح قروض استثمارية من حساب الاحتياطي القانوني بنسبة فائدة بسيطة تقترب من 1% لمشاريع استراتيجية بعد قبول دراسة كلفها وجدواها الاقتصادية من قبل البنك المركزي، لتشجيع الدور الاستثماري لمصارف القطاع الخاص وارجو ان يكون ذلك هو المقصود فيما ورد في مشروع القانون. لقد اشار الدستور العراقي الى ان ادارة الاقتصاد العراقي هي ادارة اقتصاد السوق وبالتالي انسحاب القطاع العام من اغلب القطاعات الانتاجية لمصلحة القطاع الخاص وقد اتخذت لجنة الشؤون الاقتصادية في حينه قرارا بأن يلج القطاع الخاص كافة الفرص الاستثمارية في العراق على ان تحتكر الصناعة النفطية والبتروكيمياوية والاسمدة بيد القطاع العام كونها سلع استراتيجية ذات صلة بالسيادة الوطنية ومصلحة الاجيال القادمة، الا ان السنوات الاخيرة شهدت تجربة ساهمت في تأخير اتخاذ القرار لاقتصادي الصائب وكما اشارت تقارير ديوان الرقابة المالية في حينه فأنها كانت ظاهرة يشوبها الكثير من المخالفات الا وهي الشراكة بين القطاعين العام والخاص، فهي بالحقيقة مشاركة بين قطاع انتاجي حقيقي ومقاولين ووسطاء، كانت الحجة في قبولها هو لتأمين رواتب العاملين في شركات القطاع العام وجزء من نفقاتها بغض النظر عن الاخفاق في النشاط الفعلي، فقامت شركات صناعية بتوريد سيارات واجهزة واخرى لبناء جسور ومدارس وايضا بحجة التعجيل في التنمية ومواجهة الازمة تم خرق قواعد التعاقدات وكثرت الاستثناءات وتمييز شركات القطاع العام، ولم تنبى المدارس لحد الآن ولا الجسور في مواعيدها ....الخ ومن المستغرب ان يرد ذلك نصا في المادة ( 15 ( من مشروع قانون الموازنة. ان على الدولة ان تعالج وضع العاملين في هذه الشركات وتضمن توزيع رواتبهم اولا )فهي ليست بحاجة لمزيد من المشاكل الاجتماعية والسياسية( ثم تباشر ببيعها الى المستثمرين في القطاع ، الخاص محققة بذلك وفر بالاضافة الى عوائد البيع يتمثل بالدعم المخصص للتغطية تشغيل هذه الشركات والتزاماتها، اما بقاء الادارة الاقتصادية تعمل بهذه الطريقة فأننا سنستمر بالحصول على ما في النظامين من مساويء )العام والخاص( اضافة الى التوسع في المخالفات المتوقع حدوثها في صفقات المشاركات هذه، وانصح اصحاب هذا المقترح بالرجوع الى تقارير ديوان الرقابة المالية الاتحادي بشأن هذه المشاركات. تضمنت المادة ) 14 ( من مشروع القانون تخويل وزير المالية اضافة تخصيصات لغرض اطفاء السلف المثبتة من 1 / 1 / 2008 لغاية 31 / 12 / 2014 التي صرفت اما بموجب قوانين او قرارات لمجلس الوزراء بعد تدقيقها ومصادقة مجلس الوزراء عليها، وبحدود ما اتذكره عن هذه المبالغ فأنها كانت تتجاوز حجم العجز الوارد في مشروع الموازنة، وقد كان ديوان الرقابة المالية في حينه يشير في كل حساب ختامي يصدره )آخرها الحساب الختامي لعام 2012 ( الى هذه المبالغ والتي صرف بعضها دون وجود تخصيص لها اصلا في الموازنة العامة، حيث كان المتبقي منها لغاية 31 / 12 / 2012 قد تجاوز ) 16 ( تريليون دينار، وما لم يكن الصرف قد ورد بقانون فأن قبول هذه النفقات يوجب تشريعا يعدل قانون الموازنة السنوي الخاص بهذه النفقات، حيث تتضمن المادة المذكورة، في حال القبول بمبررات هذا الانفاق في حينه تعديلا للجداول المرفقة بقانون الموزانة العامة لتلك السنة )تغيير وتنقيح في حجم الانفاق المخصص(. بالرغم من توقع معاودة سعر النفط ارتفاعه، حيث ترى اكثر التقديرات تشاؤما، ان معدله السنوي سيتجاوز ( 60 ( دولار للبرميل )وهو مقارب لمعدل كلفة الانتاج البديل من الزيت الصخري في اغلب مواقع انتاج( في حين يذهب البعض الى تجاوز سعر البرميل في نهاية العام ال ) 80 ( دولار للبرميل، ومع ذلك فأن العجز سيكون موجود وان كان اقل تهديدا مما يطرح الآن. اورد القانون في المادة ) 33 ( منه فرض ضرائب جديدة، فهل هذا يعني ان الضرائب هذه ستفرض في عام 2015 وتنتهي بأنتهاء الازمة بأعتبار قانون الموازنة هو قانونا سنويا؟ مرة اخرى يؤكد مشروع القانون بأنه لا زال يعمل بنفس الآليات التي لم تعالج جوهر المشاكل. يجب النظر الى الضرائب بأعتبارها سياسةة مستقرة وفقا لخيارات اجتماعية واقتصادية وليست مصدرا تمويليا فقط، واذ كان هناك حاجة او توجه للتعديل فيجب ان يعدل قانون البضرائب ولوائحه وآليات التنفيذ التي تضمن كفاءة التحصيل والجباية*. تكشف الازمة مرة اخرى ضرورة التنسيق بين السياستين المالية والنقدية، فأن التقديرات تشير، استنادا الى الاحصاءات التاريخية، الى حاجة القطاع الخاص من العملة الاجنبية لتغطية استيراداته كانت في اغلب الاحيان سنوات الفترة من عام 2005 لغاية عام 2013 تقع بين 40 الى 50 % *من حجم الانفاق الحكومي وتزيد غالبا عن 50 % من حجم العوائد النفطية، لذا يتوجب النظر الى ما سيتركه اثر تراجع العوائد النفطية على موجودات العملات الاجنبية ايضا، وربما يتاح الآن فرصة اعادة النظر بسعر بيع الدينار العراقي للخزينة العامة مقابل العملات الاجنبية سيما مع ارتفاع سعر الدولار قياسا بباقي العملات وعلى وفق السعر المحفز للنشاط الاقتصادي تلقائيا وبما يساهم في تقليل فجوة العجز التمويلي. في ظل الازمات يعاد ترتيب اولويات المجتمعات، وليس بخاف على احد حجم الازمات التي نعيشها، نعرف ان الامن هو الاولوية التي لا يمكن التنازل عنها من قبل الجميع وكل تجارب التاريخ تشير الى ان اختلال الامن في جزء من اجزاء الوطن هو مقدمة لاختلاله على مستوى كل الوطن في النتيجة حتى وان حاول البعض ايهام نفسه بغير ذلك، ويبقى هناك حاجة الى الاختيار بين البدائل الفنية في الانفاق العسكرية )وهذا ما يقع في اختصاص العسكريين( الاقل كلفة والاكثر فعالية في ظروف المعركة وحسمها السريع حاليا سيما وان خسائر المعارك في حينه لم يكن مصدرها نقص في الاسلحة اللازمة للمواجهة، ولكن يبقى الاساس في التوجه هو ، الابتعاد قدر المستطاع عن دفع العراق الى المزيد من العسكرة على حساب البناء الاقتصادي وقد اضعنا اكثر من اربعة عقود في ذلك وآن الاوان لأن نعي ان البديل االاجدر ليس انسانيا او اخلاقيا فقط بل وحتى مصلحيا هو ضمان السلم الاهلي وضغط الانفاق وبخاصة عسكرة الانفاق. مع كل ما نعيشه من ازمات يجب ان نفتش عن الفرص ايضا، فلم يصادف ان حشد لاية دولة تأييدا خارجي في معاركها الداخلية كما هو حاصل الآن مع العراق )بغض النظر عن النوايا( لذا فأن جزءا كبيرا من الجهد العسكري في هذه المعارك يمكن تحميلها لغير الموازنة العراقية اذا ما ادير هذا الملف بكفاءة ودراية وبما في ذلك كلف اعادة البناء للمناطق التي دمرتها المعارك هذه دون المساس بسيادة الدولة وكرامة شعبها، يدفع العراق الآن كلف صراعات الآخرين من دماء ومستقبل اطفاله ومن فرص البناء، وعلى الجميع ان يدرك ذلك، الازمات كشفت بشكل واضح مكامن ضعفنا لذا ونحن نواجهها علينا ان لا نتخذ اجراءات تعوق بناءنا في المستقبل القريب، هذا اذا لم نتمكن الآن من وضع الاسس الصحيحة لبناء المستقبل المنشود، يواجه العراق تحديات غير اعتيادية كشفت بعض من اهمها مناقشات الموازنة العامة ولكن العراق يمتلك قدرات وفرص استثنائية ايضا وعلينا ان نؤمن بذلك ونستخدم هذه الفرص بكفاءة وامانة. د. عبد الباسط تركي سعيد * د. احمد ابريهي العلي/ الانفاق العام والتكيف مع سعر النفط المنخفض/ بحث غير منشور بغداد في نهاية كانون الاول – 2014

السيرة الذاتية للدكتور عبد الباسط تركي


المقالات

تصفح الموقع

الاتصال بنا

الاسم

البريد الالكتروني

الرسالة

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة © 2018