تغريدات الدكتور

‏الدكتور عبد الباسط تركي سعيد‏

القائمة البريدية

المرئيات

نحن وصندوق النقد الدولي


14-8-2020 11:52:27 PM

حاولت لأكثر من مرة تناول هذا الموضوع الحساس جداً على مستقبل العراق وأجياله القادمة، الا أن الازمات المتلاحقة التي نعيشها تعيد ترتيب اهتماماتنا دائماً، ومع ذلك فأن مناقشة هذا الموضوع باعتباره واحد من مؤشرات الإدارة الاقتصادية في العراق خلال الفترة التي قادت الى هذه الازمات والتي يجب التعامل معها بوعي أرادي ومجتمعي، لا يقل أهمية من التطرق الى ما نعانيه الان. للتوصل الى أحكام موضوعية عند مراجعة ما أتيح من وثائق الاتفاقيات بين العراق والصندوق والمواقف التي ترافقت مع تطبيق ونفاذ هذه الاتفاقيات وما تلاها. فأن الامر لا يمكن الا وان يترافق مع اختبار لما تدعيه مبادئ الصندوق في حل أزمات البلدان التي تتعامل معها، مقابل النتائج الفعلية لتطبيقات السياسات التي يرعاها في هذه البلدان وبخاصة في الازمات الحساسة التي تخلفها سياسته بشكل واضح في الاجل القصير على المجتمع (الافقر). أما تناول هذا الامر حصراً في العراق فهو يتطلب المزيد من الموضوعية و الوضوح , فقد أستمرت الأجيال المعنية بالهم العام و بخاصة تلك التي كانت قد تشبعت بالنظرية الاشتراكية و المستفزة من كل أشكال الاستغلال الخارجي لبلدانها حتى بعد انهيار منظومة البلدان الاشتراكية بقيادة الاتحاد السوفيتي, ترى في الصندوق و سياساته استمرار للهيمنة و (الامبريالية ) , و هو أحد أدوات الاختراق المفصلية , سيما و هو لا يدخل البلاد الا بعد استدعائه وفي ظل أزمة خانقة . أستمرت الطبقة المتعلمة في العراق على ذات التصور حتى بدء العراق يعاني من أزمة الحصار الاقتصادي و عندها بدأت هذه الطبقة بدراسة و مناقشة البدائل في أدارة الاقتصاد , و بعد أن عطلت مذكرة التفاهم برنامج النفط مقابل الغذاء و الدواء من تفاقم الازمة الإنسانية , فقد جاء الاحتلال في 2003 ليحسم هذا الامر . ولان الازمة في العراق هي ليست ازمة نقص في الموارد بل هي خلل في أدارة هذه الموارد وغياب محلية السياسات الاقتصادية فأن الحديث عن دور الصندوق له أهميته ودلالته في وجهات النظر التي أثرت هنا وهناك في صعود واستمرار النظرية الاخرى المتطرفة والتي لا ترى الا في سياسات الصندوق والتوافق معها الطريق الوحيد للخلاص والنهوض وبناء عراق أخر. استمرت النخب (المتعلمة) وبخاصة الاقتصادية منها بعد عام 2003 تدعو الى سياسات ترتكز الى الهروب من الازمة وليس الى حلها فقد استمرت بأغراق القارئ (وليس المواطن صاحب المصلحة) بحذلكة وأستذة الكاتب الذي يبهرك فيما يقدم، وبعد قليل تكتشف أنه لم يقدم لك أي شيء، وان ما كان قد تفلسف به لم يكن سوى ما أختطفه من بطون الكتب، بعيداً عن ناسه ومجتمعه. النخبة التي ليس لديها ولاء مجتمعي و بخاصة المعنية بالعلوم الاجتماعية كهذه, هي نخبة عقيمة تماماً , و أسوء منها تلك التي تدعي الانتساب الى وطن مأزوم تماماً لا يتوفر لمواطنيه في بعض الاحياء الماء الصالح للشرب و تستمر مع ذلك في حذلقتها فأن عقمها و تحييدها من أفضل بركات القدر و نعمة منعتها من أعادة صياغة تفريخ بدائل و تدفع الى المزيد من فوضى الازمات , لقد وجدت هذه النخب علاج عجزها و عقمها (في حمل كاذب) عبر الالتصاق بسياسات الصندوق و الترويج لها و باستخدام كل ما امتلكته من وسائل الاقناع حتى بدأت ترى في الاتفاق مع الصندوق نصراً اقتصاديا و بكل ولاء سياسي لمنهجية الصندوق دون أي تردد أو مراجعة لنتائج هذا التطرف و الذي قاد الى اقصاء لكل البدائل المحلية في معالجة أزمة التمويل على الأقل و التي كانت القناة الرسمية التي يدخل بها الصندوق للاقتصاد العراقي . و هكذا أصبحت الإدارة الاقتصادية في العراق متلقية دائما لوصايا و مقترحات الصندوق بل و كانت بعض الأحيان (أكثر ملكية من الملك) و بذلك كانت كل الإجراءات (أيقاف التعيينات، تخفيض الانفاق العام، الحفاظ على سعر فائدة مرتفع، تثبيت سعر صرف غير اقتصادي للدينار العراقي .... الخ). وما قادت اليه من كوارث اقتصادية تعلق على شماعة الاتفاق مع صندوق النقد وشروطه. نعم هي سياسات ينادي بها الصندوق ولكن الخلل كان في التعامل معها باعتبارها نص مقدس بل والذهاب الى أبعد من ذلك، بجلد كل فكرة بديلة بسوط (اعتراض الصندوق) بدلا من استخدام هذه الفكرة كورقه ضغط بهدف تخفيض شروط الصندوق. على المستوى الاجرائي ليست كل النتائج سيئة (أنظروا كم كانت أسنانه بيضاء) وليس من المتوقع أن تكون جميعها جيدة كما يدعي هؤلاء. فأين العراق من هذه التجربة وكيف تعامل هذه الاتفاقيات. تأسس الصندوق وفقاً لاتفاقية بروتن و ودز عام 1944م و كانت مملكة العراق عضو مؤسس فيه , و لهذا الصندوق مبادئ خمسة واضحة و محددة مع أن البعض يزيد فيها و ينقص و لكنها تبقى بحدود السعي لحرية التجارة العالمية و ضمان الاستقرار للأسواق و لأسعار صرف (العملات المحلية) في البلدان التي يتعامل معها , و تقديم المشورة في ذلك و تدعيم الثقة لدى البلدان الأعضاء متيحاً لها استخدام موارده مؤقتاً بضمانات كافية و مراقبته تنفيذ المتعاملين معه للبرنامج المتفق عليه , سيما ما يترتب على هذه المراقبة من ثقة في أمكانية جذب ممولين أخرين (دائنين جدد) لمواجهة أزماتها . لا شك أنها أهداف تجذب كل الدول المأزومة للتعامل مع الصندوق بل وكل الدول النامية التي تطمح الى تنمية مجتمعاتها (أو تدعي ذلك) الى الاستفادة من هذه الخدمات، وكانت في الواقع ذرائع تكفي لتغطية وتبرير فشل أدارة الحكومات المطلوب استمرارها في أدارة فاشلة لبلدانها. تدرك البلدان التي ترغب في التعامل مع الصندوق بضرورة أن تعيد ترتيب سياستها وأداره اقتصادها مع مبادئ اقتصاد السوق ابتداء، بالإضافة الى قبول مشاركة دولية في السيادة على أدارة اقتصادها عبر رقابة الصندوق كحوافز تقدمها لتأمين أبرام هذه الاتفاقيات، ولم يكن ما حدث مع العراق استثناء عن ذلك. بل كانت العلاقة بعد عام 2003 متميزة بالدعم المباشر من خلال قيام الصندوق في 19/أيلول/2004 بتحرير 297 مليون وحدة حقوق سحب خاصة (اس دي أر) والتي تمثل 25% من حصة العراق (ما يقارب ما قيمته 400 مليون دولار في حينه). وبالرغم من ان تفاصيل اية اتفاقية وطبيعة شروطها النهائية تخضع الى حد كبير للقوه التفاوضية بين الدولة طالبه المساعدة (القرض) والصندوق الا ان دور العامل الخارجي يبقى واضح، اذ تشير حتى الاحدث القريبة الى ان للولايات المتحدة الأمريكية دورها في تعامل الصندوق مع مختلف الأنظمة فقد استمرت موافقتها بمثابة جواز مرور، فهي تستطيع أن تمنع فعلاً أو أن تتدخل في القبول وتسهيل بعض الشروط المختلف عليها، كان غطاء الدفعة هذه (297مليون) أنها تمت تحت مساعدة طوارئ لما بعد الحرب وليتماشى ذلك مع الدعم السياسي المرافق للإدارة الجديدة فيه. و لان الجهات العراقية المحاورة كانت تدرك طبيعة المتطلبات التي يشترط الصندوق توفيرها لأغراض الاقتراض، فقد هيئت عدداً من الخطط الاقتصادية و الإجراءات في مجال السياسة المالية و النقدية تسهل كثيراً على دوائر الصندوق قبول الطلب العراقي، و قد جرى توحيد ذلك عبر رسالة وجهت من قبل كل من وزير المالية و محافظ البنك المركزي العراقي في 6/12/2005 طلبت فيها حكومة العراق السماح بالاقتراض بمبلغ 475,2 مليون وحدة حقوق سحب خاصة (اس دي ار) (قرابة 650 مليون دولار) بالإضافة الى المبلغ السابق. تضمنت الرسالة بالإضافة الى طلب الاقتراض ملخص لاستراتيجية الإصلاح الاقتصادي و المالي , و ذلك من خلال تقليص الدعم على المنتجات (المشتقات) النفطية و توسيع السوق المفتوحة للقطاع الخاص مع التوجه لإصدار قانون يخول القطاع الخاص استيراد هذه المشتقات و بيعها محلياً بسعر السوق و أرفقت معها مذكرة تفصيلية بالإجراءات التي الزمت الحكومة العراقية نفسها متعهدة بتنفيذ قسم منها كأجراء مسبق قبل بت مجلس الصندوق بالموافقة ضمن (ترتيبات الاستعداد) المطلوبة , مختتمة المذكرة بموافقة الحكومة بقبول المراقبة على مدى تنفيذ ما تعهدت به من خلال خمس مراجعات فصلية . وبعد يوم واحد فقط ...!!! وفي 7/12/2015 رفع قسم الشرق الأوسط وأسيا الوسطى في الصندوق مذكرته بطلب العراق موضحاً أن الهدف الأساسي من البرنامج هو المحافظة على الاستقرار الكلي والمالي ودعم نمو أعلى، وفي حال الاخذ بها فسيتم تخفيض مديونية العراق وفقاً لنادي باريس بنسبة 30%، وهكذا أستمر ربط أطفاء المديونية بمشروطيه الاتفاق مع صندوق النقد الدولي. ماذا أعطت هذه الاتفاقية للعراق وما ولدت من نتائج؟ وهل كان الوضع المالي مأزوم فعلاً ويحتاج لمثل هذه الاتفاقية ؟ وهل كانت الية إطفاء المديونية ستتعطل فعلاً في حال عدم استمرار الدخول باتفاقات الصندوق وشروطه؟ هل كان هناك أثر يمكن ملاحظته للاتفاقية في تحفيز المستثمرين الدوليين في دخول حقول الاستثمار في العراق من خلال ما اضافته من ضمان لهم ؟ وهل ساعدت على أقناع الأطراف الخارجية الأخرى لتأمينها مزيد من القروض الخارجية الميسرة ؟ أما بالنسبة لتحفيز الاستثمارات الأجنبية فأن العامل الحاسم في جذبها وتوجيه قطاعاتها هي البيئة المحلية للاستثمار. وأن الاستثمارات ذات البعد الاستراتيجي لا تبنى على الرغبات والتصريحات فلا يمكن لهذهِ الاتفاقية أن تساهم بأكثر من المساعدة في عرض الفرص الاستثمارية. أما قرارات المستثمر فتخضع لدراسة الاليات الاقتصادية والاجتماعية الحاكمة في العراق، في حين استمرت الأفكار التي قادت العراق الى هذا المأزق الاقتصادي الكارثي ترى أن الحلول للمشاكل الاقتصادية بما فيها استقطاب و تحفيز الاستثمارات الخارجية تأتي دائماً من الخارج، ويقف وراء ذلك بالإضافة الى المحاباة المنهجية، أن الحلول التي تذهب اليها عبر الاقتراض هي الاسهل والاقل كلفه سياسية آنية مهما سببه ذلك الاقتراض من أضرار على الأمد المتوسط والبعيد . ولان النشاط الاقتصادي في العراق تحول الى نشاط ريعي بشكل كبير حيثُ لم تعد الريعية مسيطرة على التوزيع الاولي للدخل فقط بل وفي تدوير رؤوس الأموال المحلية وعلى أساس العلاقة بالسلطة أو بمشاريع الدولة , فلم يعد الإنتاج الحقيقي ( الصناعي , الزراعي ,السياحي والخدمات المرافق لها ) هو مصدر تكون الدخل الفردي الوحيد أو الأكثر ربحيه وعائد للقطاع الخاص , ورغم ذلك أستمرت الدولة وعلى وفق نصائح مستشاري المديونية بالاعتماد على الاقتراض لتغطيه الحاجة التمويلية لإدارة الدولة , مع أن حجم الاقتراض من الصندوق ( عبر الاتفاقيتين 2015,2005) كان أقل بكثير من حجم العجز المخطط أو حجم المديونية بالإضافة الى أن الموازنة العراقية ومنذ عام (2004) كانت تحقق فائض وفي أقل من سنتين كان هذا الفائض يتجاوز مبلغي المساعدة المقدمة من الصندوق ( قبل وبعد الاتفاقية ) , و بالتالي فلم يكن هناك أي مبرر تمويلي لأستمرار هذه الاتفاقية أذ كان التمويل من القرض يعتمد على الحاجة الفعلية لتمويل الموازنة .كما و لم يترتب على عدم تجديد الاتفاقية اي خطر على اتفاقية ( نادي باريس سي ) وأن العراق مستمر في سداد الأقساط السنوية للمتبقي بعد المديونية وفقاً لاتفاق ( نادي باريس ) . أن استمرار الصندوق مع الدول التي تخفق بالإصلاح وتتورط بالمديونية لا يمكن أن تستمر حتى مع وجود الضغط الخارجي. فهو في النهاية يريد أن يتعامل مع تجارب يعدها هو في الأقل تجارب ناجحة أو مشاريع نجاح ومع ذلك فقد كان لدراية الصندوق بالإمكانات والموارد الاقتصادية للعراق فأن موافقته على الاتفاقية الثانية كان بشروط أكثر تعقيد بأشر في ممارستها حتى أثناء مرحلة النقاش مع وزارة المالية العراقية لمشروع الموازنة العامة. كانت أولى لقاءاتي الرسمية مع الصندوق عندما عقدت اجتماعات مشتركة مع كوادر الديوان بشأن الإصلاح المصرفي ( الحكومي ) عبر معالجة تراكم المديونية التي يشكو منها مصرف الرافدين بشكل أساسي , أذا كان لديوان الرقابة المالية رأي مختلف عما تراه بعثة الصندوق أو خبرائها بشأن معالجة هذهِ المديونية واستمرت هذهِ المناقشات حتى عقد اجتماع موسع في عمان حضره بالإضافة لمحافظ البنك المركزي كل من وزير المالية ووزير التخطيط وأحضرت بعثة الصندوق عدد من الخبراء المتخصصين الذين يعتمدهم الصندوق لمناقشات الموضوع , وقد اقر الخبراء بالمحاذير التي قدمها الديوان على مقترحات الصندوق , وهكذا كان . بعد أستلامي للمسؤولية في البنك المركزي بالإضافة الى مسؤوليتي في رئاسة ديوان الرقابة المالية الاتحادي في 16/10/2012 أصبحت العلاقة مباشرة مع بعثة الصندوق كون البنك هو الجهة العراقية الرسمية المنسقة مع الصندوق. كان من الصعب أقناع البعثة بأن هناك طريقة مختلفة لأداره العلاقة معها تنبع من الحرص على استمرار الإيجابية معها كما هو الحال في العلاقة مع كل المنظمات الدولية سيما و للصندوق خصوصية كونه جهة ذات تأثير فعال في الاقتصاد السياسي العالمي، بالإضافة الى أمكانية تقديمه خبرات ومساعدات فنية تعين على مواكبة ما وصلته الإدارة والحسابات النقدية في العالم، على أن لا يكن ذلك على حساب مصادرة القرار المحلي في أدارة المؤسسة و سياساتها. كان هناك حاجة لأقناعهم عملياً وفنياً بعد أن تعلمنا عن دراية عملية أن (نظرية الخواجة) المثالية ليس لها مكان في الواقع العملي الا عندما يثبت الجانب العراقي مثالتيه وطنيته، وقد كان ذلك بقدر ما هو مؤذي كان متعب أكثر. فلم تستثنى بعثة الصندوق عما كان يدور في العراق من تجاذبات ومناكفات سياسية بشأن البنك المركزي والتغير الحاصل في أدارته عام 2012م وكان على أن أدفع ثمن مواجهة كل هذا الهراء وكل موجات النيل من البنك المركزي أو أدارته. وهذا لم يتم الا عبر العمل الجاد والمهني فقط وبصمت، وتحمل نتائج الموقف الذي أرتضيت أن أكون به خدمة لبلدي ولحماية إحدى أهم المؤسسات العريقة. كانت أي خطوة تقوم بها تترافق مع استفساراتهم اللانهائية عن أبعاد تلك الخطوة، كان على تحمل ذلك ومواجهته بموضوعية لحين تجاوز أزمة الثقة. كان البنك قد أعد مسودة وزعت في بغداد على الأساتذة والمختصين بشأن تعديل قانوني المصارف والبنك المركزي العراقي وللوقوف على أراءهم وتوحيدها لعرضها في مؤتمر واسع وعلني يعد لمناقشتها، دون الاستئذان منهم، وفي الاجتماع الفصلي الذي عقد في عمان مع البعثة. وفقاً لأحكام الاتفاقية بادرني رئيس البعثية الاستفسار ( لماذا لم تقم بتعديل قانون البنك قبل الان ) فأجبته ( لسبب بسيط هو لأني الان محافظ البنك المركزي و لم أكن كذلك قبل الان ) عندها بدأت الأمور واضحة تماماً في التعامل و عقدت أولى جلسات المؤتمر الخاص بتعديل القانون في 27/11/2013 ,و مع ذلك فقد حرصت حتى بعد انتهاء الاتفاقية على أن نثبت لهم صحة سياسات البنك في الحقبة التي كانت مستفزة لهم تماماً , لكي لا يستمر سوء الفهم في الانعكاس على العلاقة مع البنك المركزي بعد مغادرتي له التي كنت أحرص على أن تستمر بإيجابية . كانت الاتفاقية قد شارفت عام 2013 على الانتهاء، و لم تناقش الحكومة أو تطلب تمديدها أو عقد اتفاقية بديلة، و أثناء ذلك زارني ممثل البعثة في بغداد مستفسراً فيما أذا سنطلب كبنك المركزي تمديد أو تجديد المذكرة فقلت له طبعاً سوف لن نطلب تمديد أو عقد اتفاقية اقتراض جديدة قال كنا نتوقع ذلك ... قلت (ولازلت أعتقد ذلك) أننا بحاجة الى علاقة إيجابية و جيدة مع الصندوق ولكن ليس بديل عن الإدارة العراقية للاقتصاد كما كانت تستخدم الاتفاقية مع الصندوق. عقد في دبي للفترة (27-28/كانون الثاني /2014) مؤتمر مصرفي نظمه مصرف التجارة العراقي (تي بي أي) بالتعاون مع رابطة المصارف العراقية والجهات القطاعية في دبي، وكان معني بالسياسات النقدية والمالية في العراق، وفي المساء التقى بي مسؤول الملف العراقي ببعثة الصندوق لمنظمة الشرق الأوسط. مستفسراً عن خبر سمعه تواً مفاده قيام البنك المركزي بأقراض الحكومة العراقية فقلت له أن الخبر غير صحيح تماماً وعليكم التأكد من مصداقية مصادركم. عند التقائي بالبعثة كرر رئيس البعثة ذات الاستفسار، قلت له أنتم في بلدانكم التي تعتبرونها صروح لرعاة اقتصاد السوق عندما تعرض النظام المالي والائتماني الى أزمته المالية تدخلت في شكل مباشر في دعم مالي لمؤسسات المالية والمصرفية الخاصة. ولكني أقول لك أنني غير مستعد أن أفرط بدينار واحد من احتياطي البنك المركزي العراقي كقرض للحكومة كما أن القانون صريح في عدم جواز منح أي مبلغ في هذا الاتجاه. وعندها اغلق هذا الملف. في اجتماعات الصندوق الربيعية التي عقدت في الفترة (8-10/نيسان/2014) كانت لدينا لقاءات تفصيلية مع الدوائر الفنية والاقتصادية في الصندوق ثم اختتمت مع القسم القانوني وخبرائه المتخصصين في متابعة التغيرات التي أحدثها البنك المركزي واستمرت المناقشات حول التعديلات التي كان قد أحدثها البنك على تعليمات دخول نافذة بيع العملة، استمرت الى ساعات متأخرة وكان واضح (سوء الفهم) لأي تغيير يحدث بعيد عن تدخلهم، ولم يجدوا ما يبرر استمرار هذا التحسس، وخرجنا من الاجتماع ونحن نعتقد. بأننا قد تمكنا من أزاله شكوكهم حول مصداقية التعامل الايجابي معهم رغم عدم تجديد الاتفاقية في حينه , و دون أي تأثير على مؤتمر باريس بشأن أطفاء المديونية , و الاستقلالية التامة في أتخاذ القرارات الخاصة بأدارة السياسة النقدية في العراق دون اي مساس بحرية اتخاذ القرار. عند مراجعة (أختبار) هذه التجربة فأن التأثير الإيجابي للاتفاقية يبقى مرهون تحققه من خلال الإرادة المستقلة , تلك التي تتعامل معها (الاتفاقية) باعتبارها فرصة ولكنها ليست بديل عن البحث عن باقي الفرص وبالذات المحلية منها , كان الجانب الإيجابي في الفرصة التي يمكن أن يوفرها هو في دعم العمل الفني الصرف للبنك بما ينسجم مع ما وصلت اليه أدوات السياسة النقدية والإدارة المصرفية المعاصرة. أما في مجال السياسة النقدية فقد استغلت هذهِ الاتفاقية كغطاء للتشدد المفرط الذي الذي اعتمده البنك المركزي خلال فتره نفاذ الاتفاقية حيثُ كان البنك في أول مراحل تطبيقها قد أعتمد سعر فائدة تجاوز (20%) بهدف تقييد المساهمة المصرفية في عرض النقد أو زيادته رغم أن ذلك الاجراء كان قاتلاً لكل فرص الاستثمار للقطاع الخاص التي يعول على الجهاز المصرفي خلقها. كما استخدمت هذهِ الاتفاقية في الادعاء بوجوب الحفاظ على سعر الصرف للدينار العراقي رغم عدم اقتصادية هذا السعر , مما دفعها حتى بعد انتهاء هذهِ الاتفاقية الى أن نقترح برسالة شخصية ونحن خارج المسؤولية على السيد رئيس الوزراء في 7/ تشرين الثاني /2016 أن يطلب من مستشاريه تقديم دراستهم عن تعويم الجنيه المصري مقابل العملات الأجنبية ومبررات قيام الصندوق بتأييد ودعم هذا الاجراء في حين تستخدم العلاقة مع الصندوق سيما بعد توقيع الاتفاقية الجديدة في (2015) كسيف يشهر بوجه كل مقترح لتعديل سعر الصرف كان قد قدم في حينه. كان هؤلاء يبررون موقفهم المعارض لتغيير سعر الصرف بالخشية من ارتفاع الأسعار ولان ذلك مخالف للأتفاق مع الصندوق وسياسته. وهكذا وصلوا الى حد دمروا فيه فرصة وفعالية تغيير سعر الصرف ليس في الإصلاح الاقتصادي الكلي بل وحتى في أمكانية سد الفجوة التمويلية للموازنة، لتستمر الحاجة الى الاقتراض والى الاتفاقيات مع الصندوق للتمويل بشروط أقسى دائماً من سابقتها ...

السيرة الذاتية للدكتور عبد الباسط تركي


المقالات

تصفح الموقع

الاتصال بنا

الاسم

البريد الالكتروني

الرسالة

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة © 2018