يوميات لم يغطها غبار بعد نحن و المنظمات الدولة (5)
26-8-2020 12:54:37 PM
نحن و المنظمات الدولة
(5)
ديوان الرقابة المالية الاتحادي
14/10/2004-14/10/2014
كانت المرحلة التالية السعي ليصبح العراق رئيسا للمنظمة العربية (الأربوساي) و كانت الخطوة الأولى للفوز بعضوية المكتب التنفيذي قد أتاحت لنا أن نثبت فنياً من خلال اللجان المشتركة قدرة العراق على الأداء الرقابي و المحاسبي و أمكانياته في تفعيل اللجان الدائمة في المنظمة و قد حصل العراق على السكرتارية (مقرر) لأحد أهم لجانها . ثم أستمر بحكم موقعه في المجلس التنفيذي بالمساهة في كل اللقاءات المشتركة مع المنظمات الدولية , و بذا عاد أسم العراق الى الواجهه.
قدم العراق الى الدوره الحاديه عشره المنعقده في الكويت عام 2013 ترشحه لأستضافة الدورة التالية ( عام 2016 ) في العراق .
كان أعضاء الوفد قد سبقوني الى الكويت حيث كنت أشارك في أجتماعات فنية مع البنك الدولي للتسويات الدولية في باز (كمحافظ للبنك المركزي وكاله في حينه) و عدت مباشرة الى الكويت و كان مقرر أنعقاد الجلسة الخاصة في صباح اليوم التالي بأنتخاب البلد العربي الذي سيستضيف المنظمة و بالتالي ترأس جهازه الرقابي للمنظمة لثلاث سنوات قادمة تبتدأ من عام 2016 .
كان يتنافس على الدورة كل من مصر و المغرب و لبنان بالأضافة للعراق . عند وصولي ليلاً للفندق الذي كانت تعقد به الاجتماعات أبلغتني د.ألاء حاتم مدير عام الدائرة الفنية و الدراسات بأن الانتخابات للجان الدائمة في المنظمة كانت مسيرة في غير صالح العراق سيما و أن دور العراق في هذه اللجان خلال السنوات السابقة كان فعال و مؤثر , فلم ينتخب العراق للعضوية في أي من اللجنتين الاساسيتين بل و في أحدهما لم يحصل العراق الا على صوته فقط .
الأمر لم يكن طبيعي و لا يتسق مع المكانة الفنية التي رسخها العراق خلال الأعوام السابقة , كان المؤشر أن من يقود هذا التحرك ضد أعادة أنتخاب العراق في هذه اللجان هو مندوب اليمن و ممثلها في اللجان الفنية , كان هذا هو الظاهر و لكن طبيعة العلاقة الجيدة مع الجهاز اليمني سيما و أن رئيسه (د.عبدالله السنفي) هو خريج كلية (التجارة) في بغداد و كان يتغنى و يتفاخر في ذلك , فأن الامر يؤشر كون مندوبهم رغم فعاليته الا انه لم يكن اكثر من واجهة للتحرك ضد العراق .
كما اعلمتني أن رئيس ديوان المحاسبة البحريني و الذي كان أخ و صديق و دافعاً لموقف العراق في الجهاز كان قد أوضح لها أمر بأن الأجهزة الرقابية الخليجية سوف لن تصوت غداً لأختيار العراق رئيساً للجهاز مما أثار استغرابي جداً فقد كنت أراه لا يقل حرصاً عن أي عراقي في أن يعود العراق الى مكانته الطبيعية عربياً و دوليا.
كل ذلك جعل الامر يبدو واضحاً في محاولة أفشال وصول العراق لرئاسة المنظمة
في الصباح وجدت (المرحوم) عبد العزيز العدساني رئيس ديوان المحاسبة الكويتي جالساً يتناول الفطور قبل دخوله لتهيئة الجلسة الختامية باعتباره رئيس للمنظمة , فانفردت به و عاتبته لعدم قيام الجهاز الكويتي بانتخاب العراق في أي من اللجان رغم أن الفنيين الكويتيين والعراقيين يشتركوا في تهيئة الأدلة و المنجزات التدقيقية المعتمدة من قبل المنضمة اعتذر لكونه كان في حينها مشغولا في رئاسة الجمعية و أن التصويت في اللجان كان من مسؤولية الموظفين الفنيين , كانت هذه الإجابة غير مقنعة لي تماماً و زاد من توجسي بشأن جلسة الانتخابات التي ستباشر اعمالها بعد اقل من ساعة و شتان بين هذا الموقف و موقف المرحوم مبارك المرزوق عام 2007 . فقلت له بوضوح ( لو لا خشيتي من أن يفسر الموقف ببعد سياسي و كأننا نقاطع الكويت لطلبت انسحاب الوفد العراقي من كامل المؤتمر , و تركته يكمل فطوره بعد ان تفاجئ من حدة موقفي وتحميله مسؤولية ما جرى في انتخابات اللجان الفنية) ...
كانت المهمة الثانية أقناع كل من لبنان و المغرب و مصر بالانسحاب.
طلبت اللقاء فوراً مع الوفد اللبناني و ابلغتهم أن سبق للبنان و أن ترأس المنظمة و أن العراق حريص على أن يرأسها للدورة القادمة فوافقوا على الانسحاب بشرط أن نصوت لهم لشغل عضوية المكتب التنفيذي للمنظمة فوافقنا , أما رئيس الجهاز المغربي فقد كان أكثر كرماً و تفهماً حيث سبق للمغرب أيضاً أن شغل هذا المنصب و أبلغنا أنه سيعلن انسحابه عند عقد الجلسة , أما رئيس الجهاز المصري (د. هاشم جنينيه) فقد أصر على موقفه رغم ان مصر كانت قد ترأست أكثر من مؤتمر بالإضافة الى دورة سابقة , فتم حصر المنافسة بيننا وبين مصر .
قبل الدخول الى الجلسة بدقائق التقيت بالأخ رئيس ديوان المحاسبة البحريني و عاتبته على موقفه , فقال لي أن ما قصده لم يكن عدم قيامه بالتصويت للعراق و لكن في ظل الظرف الأمني الحالي في بغداد فأنه يعلم ان دول الخليج لن تصوت للعراق وانه يرى من المناسب الانسحاب على ان نخفق في الانتخابات, فقلت له أولاً نحن نتكلم عن عقد المؤتمر في بغداد بعد ثلاث سنوات من الأن و هذا لا يعني أن الوضع الامني في بغداد سوف لن يتحسن , و كذلك لا يوجد ما يضمن أن يكون الوضع الأمني في البلدان المرشحة أفضل من بغداد . و في حال أستمر الوضع الأمني على ما هو عليه فنحن نمتلك المرونة اكبر بعقد المؤتمر في كوردستان .
قال ممتاز و لكن أرجو أن تتطرق الى ذلك عند عقد الجلسة فهو مهم للجميع .
دخلنا الجلسة و لم ينسحب الجهاز المصري من المنافسة , بل و أضاف رئيسه الى أصراره هذا التوسع في الحديث عن تاريخ مصر و عمق حضارتها ذاهباً بعيداً عن الطبيعة المهنية للمنظمة , و عند أحاله الكلمة للعراق أوضحت طبيعة البدائل التي تؤمن عقد الدورة في العراق , ثم بدأ التصويت السري عندها حاز العراق على (14) صوت مقابل (4) أصوات حصل عليها الجهاز المصري .
و بذا ضمنا لأول مرة بتاريخ هذه المنظمة ترأس العراق له مثلما كنا قد قمنا في عام 2009 لأول مرة بنجاح العراق في عضوية المجلس التنفيذي للمنظمة الأسيوية الفعالة .
في المجال الصرف للمهنة , يضعك العالم في المكان الذي كنت قد اكتسبته في تأدية الخدمة في بلدك أولاً , مهما تحاول القوى الخارجية من دعم أو مواجهة فأنها تساعد و لكن ليست بديل عن قدراتك الذاتية و مصادقيتك في التعامل مع شؤون و هموم بلدك .
د.عبد الباسط تركي سعيد