يوميات لم يغطها غبار بعد (من يقاضي القاضي و من يراقب الرقيب) (7)
26-8-2020 12:59:06 PM
(من يقاضي القاضي و من يراقب الرقيب)
(7)
ديوان الرقابة المالية الأتحادي
(14/10/2004_14/10/2014)
عقدت الجمعية العامة للمنظمة الدولية لأجهزة المحاسبة (الأنتوساي) في المكسيك خلال تشرين الثاني 2007 أجتماعها الدوري التاسع عشر , وكان ذلك اول حضور لي في مثل هذه المؤتمرات المهنيه الصرفه على المستوى العالمي , كانت تعقد على هامش هذه المؤتمرات ورش عمل و أجتماعات فنية عالية المستوى ينتج عنها في الغالب معايير للعمل الرقابي تعتمد في نهاية المؤتمر , ولكن ما لا يقل أهمية عن ذلك اللقاءات و الاجتماعات الثنائيه مع روؤساء الأجهزة والتي تعود الى تأمين فرص لتبادل الخبرات بين الأجهزة .
كنت أسعى دائماً لأيجاد كل الوسائل التي تؤمن بناء مؤسسه قوية و مستقلة و لكن التسائل كان دائماً هو كيف تؤمن الوسيلة التي تطمئننا على صواب المسيرة التي تنتهجها هذه المؤسسة ؟
كيف نتأكد من سلامة أدائها ؟ هناك قواعد للضبط الداخلي أعتمدت في مؤسسة ديوان الرقابة المالية , فلا يوجد هناك تقرير يصدر دون أن يتم تداوله و فحصه من ثلاثة مستويات أدارية في الأقل عدى التقارير الوزارية وذات الأهمية المركزية ( كانت حوالي 240 تقرير ) فتناقش بالاضافه الى ذلك من قبل مجلس الرقابة قبل أصدارها . و لضمان عدم صدور تقارير من المستويات الإدارية الأدنى غير مستوفيه للشروط والقواعد المهنية فقد أقيم قسم متخصص لفحص الجودة يديره محاسب قانوني من الزملاء المتقاعدين و بعض من قدامى الموظفين يساعدونهم طلبة الدراسات العليا لضمان تلاقح الخبرات ووضعت نقاط معلنة لكل موظفي الديوان لتقييم كل تقرير ولا توجد هيئة رقابة لا يسحب منها تقرير واحد في الأقل للفحص , وهناك قرارات صدرت في ضوء ذلك لضمان تأمين نوعية أفضل . هذه إجراءات داخلية للرقابة يقودها مجلس الرقابة بشكل أساسي . ولكن السؤال هو من يقيم (فنياً) عمل ديوان الرقابة المالية كمؤسسه ؟؟؟ كانت لدينا مؤشرات عن الأجهزة الأكفئ فنياً في العالم و عليه فقد كانت فرصة المؤتمر في المكسيك فرصة للالتقاء بهذه الشخصيات فقد سبق أن فاتحنا أحد الأجهزة العربية للقيام بما يسمى ( بمراجعة النظير ) أي التقييم الفني لعمل الديوان ولم يستجب ان ذاك فاستغربت عدم قيامه بالأجابة الرسمية حتى , و بعد التواصل في المؤتمرات و التجمعات المهنية العربية , وجدت أن هذا الجهاز رغم كل الهالة التي يصنعها لنفسه لم يكن قد وصل الى الكفاءة التي تؤهله للقيام بالمهمة الصعبة لجهاز رقابي عريق يتمتع بخبرة و تسوده قواعد عمل مهنية كجهاز الرقابة العراقي رغم أنقطاعنا عن العالم منذ عام 1980 لغاية 2003 .
كانت الأجهزة المرشحة للقيام بمراجعه النظيرللديوان هي الكندي و الهولندي و النرويجي . ولم نفلح في عقد لقاءات عمل مع رئيس الجهاز الكندي و باشرنا مع محكمة المحاسبة الهولندية, وقد كانت تصغي رئيسة المحكمة الى طلبنا في هذا الخصوص ولكنها كانت تتوقع أنها رغبة أكثر من كونها منهج . , وبعد أنقضاء المؤتمر و عودتنا الى بغداد لم نهمل الاتصال لتأكيد حرصنا على اخضاع عمل ديوان الرقابة المالية لرقابة الجهاز الهولندي ( محكمة المحاسبة الهولندية ) , عند عقد المؤتمر التالي في جنوب أفريقيا عام 2010 كان دور الجهاز الهولندي متميز فنياً كانت المحاور الأساسية في مؤتمر جنوب أفريقيا تدور حول الدعوة الى أعتماد تقويم الأداء في العمل الرقابي و عندها طلبت الكلمة وأوضحت أن ديوان الرقابة المالية في العراق لديه تجربة غنية في هذا كانت قد طبقت في منتصف الثمانينات , مما أثار انتباه المؤتمرين بحيث تقدم مني احد الوفود العربية وقال يبدو أن هناك خطاء في الترجمة عندما ذكرت تاريخ تجربتكم في تقويم الأداء قلت له كلا بل الترجمة صحيحة تماماً فالديوان كان قد أنجز هذه المهمة فعلاً في عام 1985 (على ما اذكر) ثم عقد لاحقاً لقاء عربي أوربي في دولة الامارات العربية المتحدة عندها تم الاتفاق بشكل نهائي الى تبادل الوفود العراقية و الهولندية لوضع الخطوط التفصيلية للاتفاق النهائي ليباشر الجهاز الهولندي بالمهمة .
و في ضوء جدية رغبة العراق و موضوعية ديوان الرقابة في طرح كل امكانياته للتقييم فقد وافق الجهاز الهولندي على القيام بالعملية بل و ذهب لاكثر من ذلك أذ تم تغطية كلف انجاز المهام كافه من خلال منح العراق( منحة ) بمبلغ نصف مليون يورو وهذا لوحده كان أمر غير معتاد رغم ان الوضع المالي في العراق كان جيدا في حينه, و باشرنا العمل لأكثر من سنتين كان لسفير العراق في لاهي د.سعد عبد المجيد العلي الدور المهم و الاعتباري في دعم النجاحات التي حققها موظفوا الديوان .
عند انتهاء جهاز الرقابة الهولندي (محكمة المحاسبة) من عمله وأتم أعداد تقريره بشأن تقييم عمل الديوان العراقي اتصلت رئيسة المحكمة للاستفسار عن الطريقة التي يسلم بها التقرير فقلت يتوجب أرسال التقرير الى رئاسة مجلس النواب العراقي حيث يرتبط ديوان الرقابة المالية بموجب الدستور . تفاجأت حيث كانت تفترض أني أتوقع مثل أي عمل رقابي وجود ملاحظات سلبية على أدائنا فكيف أطلب تقديمه خارج الديوان قلت لها بالحرف الواحد ( أنا رقيب فأن كانت هناك ملاحظات فعلي تعديلها بهدف تداركها و في كل الأحوال فأني سأرسل التقرير لمجلس النواب )
أستغربت هذا الموقف فقالت رئيسة المحكمة من أجل هذا الموقف فأني سأتي وأقدم التقرير بنفسي شخصياً وعندها عقدنا أجتماع من هيئة رئاسة مجلس النواب وقدم التقرير من قبلها مباشرة بحضور سفيرة هولندا للأستاذ أسامه النجيفي .
لم يكن التقرير يتضمن أية ملاحظة سلبية على العمل الفني للديوان بل ذكرت به ملاحظتين حول عدم قيامهم بأشراك خبراء من خارج الجهاز الهولندي و الاكتفاء بالاطلاع على التقارير الرقابية المعدة من الديوان و مناقشة الرقباء و بعض أعضاء مجلس النواب دون التواجد الميداني عن قرب مع عمل الديوان و بذا كان ديوان الرقابة المالية الاتحادي اول جهاز رقابي ليس عربي فقط بل و في كل منطقة أسيا و الشرق الأوسط يخضع لمراجعة النظير , و قد أنجزت هذه المهمة عندما لم يكن عدد الأجهزة التي مارستها تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة فقط على مستوى العالم
مرة أخرى
أخلاصك و جديتك الحقيقية تجبر الأخر على أحترامك و التعامل معك مع ما تستحق .
فقد أنجزت هذه المهمه الرائدة دولياً بنجاح أستثناءي و غطيت كلفها من غير الموازنة العراقية . احيلت السيده ساسكيا.جي.شيفلنك الى التقاعد عام2014 وكانت قد بلغت السادس والسبعين من العمر ,وبمناسبه احالتها على التقاعد كرمتها محكمه المحاسبه الهولنديه باصدار كتاب تحت عنوان( ابرز ثمانية مراقبين حكوميين على المسرح)ممن قابلتهم خلال السته عشر سنة التي قضتها في تراس محكمة المحاسبة الهولندية ....
د.عبد الباسط تركي سعيد