الاتفاق ...... وبعض تداعيته
31-8-2020 10:40:42 PM
أعلن الرئيس الأمريكي عن قيام اتفاق أمارتي إسرائيلي برعاية أمريكية , و أوضح أن ذلك الاتفـاق سوف يتم توقـيعه خلال الأسابيع الثلاثة القادمة , وقد ايدت دولة الامارات العربية تلك الانباء.
كنت أتمنى أن يتناول المتخصصون في حقل السياسة الدولية هذا الاتفاق بالاهتمام الذي يستحقه و يقدموا تفسيرا للخطوة التي أتخذت في هذا التوقيت من الانهيار والتشرذم العربي ,الوقت الذي أصبحت معه القضية الفلسطينية تعاني من تنازع واقتتال قواها المحلية فضلا عن سعي القوى الأخرى الى مصادرتها وتزوير حتى تاريخ جغرافيتها , وإزاء كل هذا الطوفان لم يعد هنالك سوى فئة قليلة فقط من الفلسطينيين تقاوم مخططات الاستيطان وتسعى للحفاظ على الهوية وهي مكشوفة الظهر في وسط أسواق المزايدات السياسية و الدموية .
لم يتيسر لي أن أطلع على ما هو مقنع موضوعياً لسير الامارات بهذهِ الخطوة ,نحن ندرك ابعاد ما نسمعه غالباً من ادعاءات الأبواق الجوفاء في أن من لا ترضى عنهُ أسرائيل أو من لا يقدم لها ولاءات الطاعة من ( أقطار) الوطن العربي فأنهُ عرضة مستمرة للمشاكل , ويضرب بالذي جرى على العراق مثالاً لذلك وتستمر هذه الابواق بالضجيج كلما حدث ما يستفز العرب من سباتهم . ان العقل ومنطق سير التاريخ في كل هذا الصراع يثبت أن ذلك الادعاء كان مظلةٍ لضمان ديمومه هذهِ النظم والتغطية على سوء أدارتها وبنفس القدر او يزيد عما تجنيه إسرائيل من مكاسب انيه وجاءت خطوة الامارات الأخيرة للاعلان والاتفاق وتداعياته مذهلة وتدفع الى الحيرة أكثر من أغراض ذلك الادعاء بكثير , بالتأكيد هي خطوه أنجاز ضرورية لما يسمى بصفعه القرن لرفع فرص ترامب الانتخابية ( أمام منافسهِ الخاسر أبتداءً ما لم يغير ترشيحه النائبة اليسارية هاريس لبعض من النتائج ) بعد أن تدنت كثيراً شعبية ترامب أثر تذبذب تصريحاته واداءه أزاء مواجهة أزمة جائحه كورونا في الولايات المتحدة ,وتأمين الدعم اليميني واللوبي له في الانتخابات القريبة ,ولان الفترة المتبقية قبل الانتخابات قليلة جداً بحيث لا تسمح لاستعراض ( شو) أمريكي استثنائي كتوجيه ضربة مؤثرة لإيران أو أفتعال أزمة حادة مع الصين أو روسيا لذا فأن المكان الهش ( جغرافية وسياسية ) والذي تستطيع الولايات المتحدة تحقيق مكاسب مجانية و بأستمرار فيهِ هو الوطن العربي سيما بعد أن غابت عن دول محورية في الدفاع عن القضية الفلسطينية كسوريا والعراق دوله المؤسسة والتي غدت لا تمتلك القدرة الحقيقية حتى لتأمين استتباب الامن الداخلي فيها .
وأهم ما يلحظ على هذا الاتفاق مع كل البهرج والخداع الذي يحاول العرب المؤيدون لهُ التلاعب به انه يوضح شيء مختلفا ويسقط كل الحجج التي اعتدنا سماعها في هذا الجانب . فالامارات ليست في حدود الصراع الجغرافي او السياسي مع إسرائيل و لا تعاني من مشاكل داخلية وليست في خطر خارجي محدق حتى تضطر لقيامها بهذا الاتفاق .
أن تحاول دول عربية تعرف نفسها بأعتبارها دول رصينة و هادئة كالامارات العربية التطوع و بقفزه استثنائية لتغيير مواقفها من قضية كانت تعدها اساسية في محور سياساتها و خاصة الخارجية منها
لتنفيذ الارادات الخارجية في السير ضمن المشاريع الدولية بعيداً عن أي تصرف يدفع لضمان او الاطمئنان لسلامة حتى وضعها الداخلي مستقبلاً هو ما يثير الاستغراب حقا ,
فقد نفهم ( و ان لم نتفهم ) قيام دول (المواجهة) المحيطة في أسرائيل بأن تبحث عن وسائل في توقيع اتفاقات تؤمن حدودها والادعاء بانها قد لجاءت الى ذلك للالتفات لمواجهة قضاياها الداخلية وهموم مواطنها اليومية.
ولكن مثل ذلك الامر او الدوافع غير موجودة في دولة الامارات العربية المتحدة فهي في بحبوحة أقتصادية و سياسية وبعيدة عن اتون أي صراع ولديها ( تحت الطاولة ) ما يسمح لها بالتلاعب مع كل الأطراف الفاعلة أقليمياً من ليبيا الى اليمن الى سوريا الى العراق و بالتأكيد في دول الخليج والقوى الفلسطينية . و معروف أنها لا تترد في الإعلان عن أستقبال وفود أسرائيلية تحت لافتات مختلفة بقليل من الاستحياء , ما الذي يجبر هذهِ الدولة للقيام بهذه الخطوة (التطبيع التام و على كل الأصعدة) لتصبح البوابة الرسمية و العلنية للأختراق الأسرائيلي للمشرق العربي ؟؟؟ و كم ستوظف الامارات (وليس الولايات المتحدة أو أسرائيل) من أموالها لضمان نجاح هذا الاختراق عربياً و اقليمياً .
أن المتابعة لطريقة تعامل فصائل معينة من الرسميين الفلسطينيين منذ أوسلو الى الان تدفع بالمنطق الى توقع أن تكن الامارات قد أخطرت جهات معينة منهم بهذهِ الخطوة مسبقا رغم أن الاحداث لحد الان لم تكشف عن وجود مثل هذا الاخطار ... وهذا يعطي للتساؤل وعلامات الاستفهام الأولى التي اثرناها بعداً أكبر عندما يكون الامر تحركا أماراتياً صرف مع أسرائيل و أميركا . .
بالتأكيد فأن توقع دفاع الامارات عن هذه الخطوة سيكون في أتجاهين , الأول لمنع قيام أسرائيل بظم نهائي لأجزاء من الضفة الغربية الفلسطينية عبر المستعمرات الاستيطانية المقامة عليها .
و هذه خدعة لا تنطلي على جاهل فقظم أسرائيل للقدس و أجزاء من الضفة الغربية مستمر و سيستمر رغم وجود القرارات الدولية الصريحة و المواثيق العالمية التي لا تجيز ذلك تماماً , و هذا الظم والتغيير اذا ما قررت إسرائيل تنفيذه سيتم براعية أمريكية ,فبالتأكيد يتذكر المعنيون في الامارات العربية من الذي حضر خصيصاً للافتتاح ونقل السفارة الامريكية الى القدس (المحتلة) وماذا كان ذلك يعني في كل الحسابات ,ولذلك فان اقصى ما تضمنه (المعلن) من الاتفاق أن أسرائيل جمدت الظم و ليس الغاءه .... و بكل الحسابات ما الذي يدفع أسرائيل لتقديم أي تنازل مقابل هذا الاتفاق؟؟؟ و لان الامارات تدري ذلك و في ظل تسارع الاحداث فأنها سوف لن تدعي رسميا او مباشرة بأي منجز تاريخي للفلسطينيين أذ ستتولى الأطراف التي تهيء للألتحاق بها ذلك أما الامارات فستستمر بالتركيز بأعتبار القرار قرار (سيادي) قررته وفقا لمصالحها كدولة مستقلة .
بالتأكيد ستؤمن الأموال والثروات المتاحة للأمارات الان فرصة الانفاق على تزيين و أشاعة روح التفاؤل وبخاصة للشعب الفلسطيني كما هي المليارات الدولارية من الاستثمارات التي تعد بها صفعة (صفقه) القرن , أقصى ما ستجنيهِ الامارات هو تحمل الكلفة المالية لهذهِ الصفقة السياسية التي سعت اليها مجاناً.
المستقبل السياسي لنتنياهو و ترامب في مفترق طرق وبحاجة لمنجز وهذا الاتفاق يؤمن أجزء مهمه منه وليس مجاناً فقط بل و بتمويل أماراتي . أذ ستحاول الامارات تضخيم اثاره وأن تحفز أطراف عربية أخرى بكل وسائلها للالتحاق سريعا بها والانجع في ذلك طبعا هو استخدام الدعم المالي او التلويح به في الأقل .
أما الركن الثاني المتوقع في دفاع الامارات فهو مواجهة التهديدات الإيرانية التي لا ينكرها أي متابع ولا تدعي فعاليات السياسة و العسكرة الايرانية في المنطقة غير ذلك , في محاولة لأستخدام هذا الادعاء لتبرير التحالف حتى مع ( الشيطان ).
لم تقم الامارات بهذهِ الخطوة عندما أقتطعـت أيران جزر أماراتية أستتراتيجية على مضيق هرمز بل العكس تماما , اذ استمرت تاريخيا في انتهاج ابداء اقصى المرونة في التعامل مع الضغوط الخارجية وبخاصة الإيرانية منها وكما أثبتت ذلك تجربه مشاركة ومساهمة الامارات في الصراع الدائر في اليمن , وسحب قواتها عن ساحات المواجهة الحقيقية فطبيعة العمل السياسي الاماراتي وبخاصة الدبلوماسي منذ أن تأسست لم تكن قائمة على المواجهة والصدام مع الاضداد.
فما الذي يدفع الامارات وهي تحاول صد هذه التهديدات في أن تقدم نفسها كساحة مواجهة أمامية لمحور أسرائيل أولاً و أمريكيا ثانياً مع أيران ؟ وهل كان ذلك ضرورة أملتها مصالح وخطط هذين البلدين في هذهِ المواجهة الان ؟؟؟
لو أن الاحداث التي نعيشها اليوم كانت قد حدثت في ستينات أو حتى ثمانينات القرن الماضي لكنا قد فسرنا أن أنفجار بيروت الكارثي قد تم أفتعاله للتغطية على الاثار التي ستترتب على الاتفاق الاماراتي في الشارع العربي , كان ذلك يحدث عندما كان هناك العشرات ممن لديهم الاستعداد للتضحية بأرواحهم في سبيل نصرة القضية التي يعتقدون بعدالتها , كان ذلك الجو هو ما يحكم بوصلة تحرك الشارع العربي , التحرك الذي غادرناه بفعل تدجين الأنظمة العربية لشعوبها بين فكي الجوع والإرهاب والرعب من التأمر الخارجي , الأنظمة التي تقدم في كل يوم نموذج أكثر فشل من سابقه في كل مناحي حياة المواطن عدى ما يتعلق بقدرات هذهِ الأنظمة في القمع و المصادرة للأخر .
سنسمع صرخات هنا وهناك في الوقوف ضد هذا الاتفاق و بأستثناء صرخات الألم المنطلقة من جوف وقهر المواطن الفلسطيني , فأننا سنستمع للصرخات التي تنتظر كذلك الإشارة من المايسترو الخارجي المعارض للاتفاقية قبل أنطلقها وبالحدود التي يراها هذا السيد أيضا .
ما كان لهذا الانهيار والاستسلام للتلقي ومحاولة الانسجام مع كل متغير خارجي وافد مهما كان تاثيره على المتغيرات الاساسية في منطقتنا وبلدانها الا بعد ان غيبت الدولة المؤسسة , الدولة التي يضمن القانون فيها سيادة المواطن ويحفظ حقه , الدولة التي تمتلك قواعد أمن مجتمعي ( وليس مديريات أو منظومات قمع أمني ) , الدولة التي يعرف بها المواطن الحدود التي يتوقف عندها وتبدء حقوق الاخرين . وفي البلدان التي كانت تاريخيا تتوفر فيها قسط مهم من ادارة الدولة , كانت تعتبر نفسها معنيه ومسؤوله في ان يكون لها موقف مؤثر في أي من المتغيرات الدولية ذات العلاقة بالمنطقة .
وعندما غابت الدولة المؤسسة عن الساحة العربية وساد منذ مطلع التسعينات من القرن الماضي وجود الدولة الفاشلة الذي يؤمن للقوى الخارجية بغض النظر عن الغطاء الذي تعتمده فرص مفتوحة للأختراق , طالما ان الدولة الفاشلة مستمرة في تغييب المؤسساتيه وفاقده لأذرع الدفاع عن المجتمع والأعراف وليس فقط فقدان القدرة على البناء عندها أصبحت ردود الأفعال من الاتفاقية كما نشهد اليوم !!!ولا يوجد ما يدعو لعدم توقع المواقف الاسواء قريباً , و ان كل المساعي التي تقوم على أستمرار الأنظمة الراعية للنماذج الفاشلة , هي مساع لادامة أنظمة مستجيبة بلا حدود لمتطلبات الخارج حيثُ يعمل وهم الحماية والحفاظ على الامن كل هاجسها واهتمامها ولذا فأن بناء الدولة الوطنية المؤسسة هو المتاح فقط في هذهِ المرحلة لضمان خلق المقدمات الحقيقية للنهوض , وكان الفشل والتفريط باستخدام أي من الاسلحة التقليدية في مواجهة أي تداعي مرده في الأساس غياب الدولة المؤسسة , لقد أنتصرت كل الأطراف الخارجية من خلال خلق و أدامة الدولة الفاشلة في الوطن العربي , وللأسف فأن دول المحيط المعنية قبل غيرها بألشأن العربي وبالذات أيران وتركيا لم تدرك مكمن الخطر هذا بل و ساهمت الأطراف المحلية المتعاونة معها بشكل أو بأخر في أستمرار هذا الفشل , سيما وهي تعتقد ان ذلك أحد أهم مصادر دفاعاتها ضد التوجهات الامريكية أو الإسرائيلية بالنسبة لإيران أو الدفاع عن جماعات وفكر الاخوان المسلمين بالنسبة لتركيا .
ألم يعد من المنطقي الان التراجع عن الادعاء بان اشاعة التحفظات أحيانا و العدوانية ضد هاتين الدولتين غالبا لم يكن مصدره فقط (المخططات التأمرية المشبوهة) بل ساهمت طريقة تعاملهما (دول الجوار) مع أزمات البلدان العربية واحياناً في خلقها لهذه الازمات من خلال تواجدها الاستخباري كبديل عن تواجدها التحالفي , في اشاعة وتعميق هذا الشعور الى حد كبير ؟.
اما أن الأوان لان تدرك ضرورة التراجع عن هذا النهج سيما و ان المتاح الان هو تقليل الخسائر (التداعيات) للنهوض وتخفيف مأسي جراحات المواطن البسيط المهزوم وان تعي ان ذلك تقتضيه مصلحة الإقليم كله ؟.
في الوقت الذي يصبح فيهِ الدفاع عن القومية تهمة بالنسبة اليك ولكنها حق من حقوق الانسان يجب رعايتها وتجيش الجيوش لأجلها عندما يتعلق الامر بالاخرين , و غدت الوطنية بكل مفاهيمها , سذاجة و طوباوية , في هذهِ المرحلة عندها لا تتفاجئ أذا أصبحت المقاومة الحقيقة وليس ادعائها لا تقل فجاجةٍ في افواه أهلها عن مرارة طعم كلمة الاحتلال .
ماذا تعلم العراقيون من تجربتهم المريرة في التعامل مع المؤثر الخارجي ؟؟؟
و في أي الخنادق على العراق أن يكون في هذهِ المرحلة ؟؟؟ نعم ان الشارع العراقي ما بعد تشرين شيء مختلف ولكن ما لديه من تراكمات الأولويات في المواجهة يحد كثير من مغادرة لملمة الجراح العراقية , الامر الذي يوجب على دول الإقليم أدراكه والتعامل معه ليس تكرماً و رعاية بل لان المتعقل منها يدرك ان اختلاف معطيات المرحلة توجب عليها التعامل باليات مواجهة مختلفة بعد أن جربت وسائلها ( التقليدية ) وحصدت ما حصدته من نتائج أو تلك المتوقع أن تحصل لها في المستقبل القريب , هل ستدرك القوى الاقليمية و المحلية مكامن الخطر و الاليات الفعالة في مواجهته ؟ نأمل ذلك !!! هل ادركت هذه القوى ان مساهمتها في خلق و ادامة (دولة )عراقية مخترقة من خلال مساهمتها المستمرة في اعاده تشكيل الخارطة السياسية العراقية المحلية بألباسها اطر ومسميات صادرت الانشغال و الاهتمام الحقيقي بالمصالح العراقية بل و ذهبت الى مصادرة وجود أي فرص لنشوء قوى سياسية محلية مؤثرة في هذه المرحلة , قوى مستقلة و بعيدة عن الخضوع الاستسلامي للإيعاز او الفعل الخارجي بغض النظر عن مصادره بعد ان اكتشف الجميع ( وان لم يعلن ذلك اغلبهم )لم يكن خطاءً تاريخيا واخلاقيا وحسب بل كان كارثه بكل ما تعنيه هذه الكلمة من سوء ؟ ان عراقاً مستقراً ومستقلا كدولة هو الضمان للحدود بين الدول و لبناء تنمية اقتصادية و سياسية لاقليم يدرك الجميع أهميته اكثر من قادته السياسيين . .