متى تعالج الأزمة الأقتصادية ؟؟؟
14-3-2020 8:23:33 PM
تم نشره في جريدة المشرق العدد (3587\23-9-2016)(بتصرف)
متى تعالج الأزمة الأقتصادية ؟؟؟
ما هي طبيعة الازمة الاقتصادية في العراق ؟؟؟ لماذا هذا الكم الهائل من المشكلات الخطرة في بعضها وغير المبررة في البعض الآخر ؟؟؟ لماذا يفاجئ المواطن بعاصفة من الازمات المالية وأحياناً بإعلان مفاجئ من قبل المعنيين ؟؟؟ هل المطلوب ان نعيش دائماً في ازمة ؟؟؟ هل المقصود ان نقف بأستمرار على حافة الهاوية وننتظر من ينقذنا من السقوط فيها في آخر لحظة ؟؟؟ وهو ما يحدث دائماً , ولكن بالانتقال الى حافة هاوية أخرى .
لماذا تُحتل العراق المليء بالفرص والموارد جيوش من العاطلين , بعد أن حاصره (العالم المتحضر) , ثم تم غزاه بثلاثة وثلاثين دولة ؟؟؟ ليتحول العراق الى سلة استهلاكية صرفه , تتوقف عندها أغلب فرص الانتاج بعد أن غزته السلع المستوردة فلا زراعة تغطي الحاجة المحلية في بلاد النهرين , حتى الخضرة التي يمكن للأنتاج المنزلي أن يغطيها , وغابت التأثيرات السياحية في بلد تتكامل فيه كل فرص السياحة ( الدينية , الطبيعية , التاريخية , الطبية ) في حين تعتا بلدان بكامل اقتصاداتها على واحدة فقط من هذه الفرص .
وفي ظل تدمير وغياب الصناعات الثقيلة والاستراتيجية يستورد العراق مثلاً ( السماد وهو البلد الوحيد في المنطقة الذي يتكامل لديه موارد كافة انواع الاسمدة , ويصدر الآن يومياً أكثر من (3 ملايين ) برميل نفطاً خاماً ويستورد البنزين والوقود الثقيل ). فأن الصناعات الحرفية والصغيرة بدأت تندثر بشكل مريع , ففي حين كانت اسواق كاملة تعج بالخياطين مثلاً , أصبحت هذه الاسواق مخازن أو معارض للمستورد الاقل سعراً وتكلفة !!!! وهكذا سنستمر بتصدير جيوش من العاطلين وعدداً لا نهائياً من هذه الفرص الى ساحات الضياع .
هل مطلوب أن نستمر مجتمعاً استهلاكياً واقتصاد مستورداً فقط ؟؟؟ بغض الظر عن كون ذلك مقصود أم لا فأن النتائج التي نعيشها اليوم تشير بوضوح الى أننا نتجه نحو الكارثة وان هم السياسات الاقتصادية بالدرجة الاساس الأن هي كيف نؤمن المزيد من الموارد المالية لتغطية قدر معقول من الانفاق , والقدر المعقول هذا تقرره للأسف عوامل غير أقتصادية تماماً , في اقتصاد يتجه نحو الكساد التام , تؤشر متغيرات معدلات التضخم بأستمرار معدلات سنوية تقل عن معدلات نمو السكان , وهذا يعني أن زيادة السكان لاتساهم في زيادة الطلب الفعلي رغم ما يترافق معها من زيادة في الحاجات العامة , وهذا يؤشر بشكل واضح ليس في تراجع النشاط الاقتصادي فحسب بل وفي غياب فرص التجديد في أقتصاد مفتوح على مصراعية على الخارج ( نستورد من الماء الى الطائرة) يعني أستمرار هذا التراجع . يمكن ملاحظة ذلك ليس في الاشغال العامة فقط بل وفي حركة الموجودات الثابته في السوق المحلية ( العقارات , السيارات وغيرها ) .
كل ذلك بحاجة الى محرك يدفع بالاقتصاد للخروج من أزمته هذه , وفي أقتصادات أقل تعقيداً وأنكشافاً على الخارج ولدت النظريات الاقتصادية التي ترى وجوب قيام الدولة ( الحكومة ) بهذه المهمه بأعتبارها أكبر مصادر الطلب في الاقتصاد يتم بالمزيد من الانفاق الحكومي ( الرشيد طبعاً ) .
في العراق حيثُ يلعب الانفاق الحكومي دوراً في خلق الطلب الكلي أكبر بكثير من الطلب الاولي الذي يخلقه القطاع الخاص , وبالتالي فأن التصدي للأزمة الاقتصادية يستدعي مواجهتها من جانبي الأيرادات و الأنفاق الحكومي معاً من خلال جانب الايرادات حيثً يتوجب تقليص الاستقطاعات الضريبية لكي ينفق القطاع الخاص أكثر وجانب النفقات من خلال التوسع في الانفاق الحكومي .
هل هذا ممكن في العراق في ظل الازمة المالية الآن ؟؟؟
هل يمكن أن تصدر موازنة بعجز فعلي ؟؟؟ وهل العراق بحاجة الى موازنة بعجز فعلي أم موازنة متوازنة أو بفائض ؟؟؟
طالما ينظر الى المسأله من خلال فهم دور محدود للموازنة العامة , حيث تعتبر الموازنة مجرد وسيلة لإدامة استمرار الحكومة بعيداً عن بعدها الاقتصادي , وما دام الوضع كذلك فان المهمة الاساسية تنصرف الى تأمين موارد تمويلية لتغطية الانفاق الحكومي . وبما إن المورد لتغطية الرواتب والاجور في الاقل , من ضرورات الانفاق للأدارة الحكومية فأن على الادارة المالية أن تبحث عن موارد أضافية لتمويل ذلك الانفاق , وهكذا صدرت موازنات (2015 و 2016) بعجز حقيقي ومن المتوقع أن تشهد موازنة عام (2017) ذلك العجز أيضاً . كيف تم تغطية هذا العجز وكيف يخطط لتغطية العجز المتوقع لموازنة عام (2017) ؟؟؟
تسعى الادارة المالية الى تغطية هذا العجز من خلال تقليص الانفاق العام ( الدفع الى ركود أقتصادي أكبر ) وزيادة الايرادات من المصادر غير النفطية . فذهبت الى الاقتراض سواء المحلي أو الخارجي , وأذا كان الاقتراض المحلي محكوم بقدرات الجهاز المصرفي على ذلك , وأن استمرار الاقتراض من القطاع المصرفي بأستمرار العجز في الموازنة سيحرم الاقتصاد الخاص من فرص تمويل المشاريع وبالذات الاستثمارية وبالتالي تراجع الدور التشغيلي لهذا القطاع ( مما يعني المزيد من الركود ) ومع قدرات هذا القطاع المحدودة في أستمرار تمويل العجز الكبير لعدة سنوات , سيتم اللجوء الى أحتياطيات البنك المركزي أو الاقتراض من الخارج . وما حصل فعلاً في العراق هو اللجوء الى هذين المصدرين معاً . ومع كل مايمكن أن يقال عن الآثار السلبية للأقتراض الداخلي إلا أن شرور الاقتراض الخارجي تبقى أكبر . ففي عالم اليوم لايتوجب اللجوء اليها إلا كملجأ أخير . فها أستنفذت كل الفرص قبل ذلك ؟؟؟
عند مراجعة العجز المخطط للموازنة العامة للدولة العراقية للأعوام ( 2015 , 2016) ومشروع (2017) ( لعدم صدور موازنة عام 2014 لحد الان !!!) نجد في الجدول الآتي أستمرار تزايد نسبة العجز في الموازنة سواء في جانب الانفاق أو الايراد متلازمة مع اللجوء الى محاولة الاقتراض من الخارج , وفي حال تعذر الحصول على قروض بدون فائدة أو بفائدة ميسرة من الدول ذات الفائض الاقتصادي أو الصديقة , عندها يتم تغطية جزء من هذا العجز عبر أصدار سندات على الخزينة العراقية تباع في الخارج , عادة ماتكون المؤسسات المالية الاجنبية هي المقتنية والمروجة لها أو الاقتراض من المنظمات الدولية .
( المخطط بمليارات الدولارات )
السنة الانفاق الايراد العجز النسبة من الانفاق النسبة من الايراد
2015 119462 94048 25414 23% 27%
2016 105896 81701 24195 23% 30%
2017 103355 70129 33227 32% 47%
وفي ظل الظرف الحالي للسوق العالمية للسندات الحكومية , حيثُ بدأت العديد من دول الخليج بأصدار سندات مشابهة لتنويع موجوداتها المالية وتحسباً لمخاطر أزمة تراجع الاسعار العالمية للنفط , أصبحت قدرة العراق على تسويق هذهِ السندات بنفس أسعار الفائدة محدودة الى درجة كبيرة , مما يضطر المفاوض العراقي الى الإعلان عن فائدة أكبر وتوفير شروط ائتمانية اكبر ,أي الى تحمل كلف مبالغ بها , ويبقى استعداد المؤسسات المالية الاجنبية محدود في تغطية هذا العجز وذلك لأنها تبحث عن فرص للربحية دون مخاطر غير اعتيادية أو بأقل قدر ممكن من المخاطر , وهذا هو مصدر زيادة كلف الاقتراض , اي سوف يعتمد لاحقاً على قروض أكثر كلفة مع أنها ستساهم في تغطية جزء من هذا العجز وليس العجز بالكامل فمن غير المنطقي أو المقبول أن تصدر دولة حتى وهي في أحسن حالات الاستقرار الامني والاجتماعي , سندات بمبلغ يزيد عن ( 20 مليار دولار ) الى السوق العالمية وتتوقع أنها سوف تحصل على مشترين جاهزين , ومع إن مشروع موازنة عام (2017) قد عول على هذا المصدر لتغطية مبلغ يزيد عن (6 مليار دولار ) , الا أن العراق لايستطيع أن يبيع سندات بأكثر من ( ملياري دولار ) , في أحسن الاحوال , بأسعار الفائدة الحالية . لذا فقد لجأ العراق الى المنظمات الدولية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي لتمويل هذا العجز , ويرى القائمون على هذا التوجه ان الاتفاق مع صندوق النقد الدولي بالاضافة لأهميته المالية فأنه سيمثل ضمان لجذب المقرضين الأخرين .ويقدرالمتفائلون أن المبلغ المتوقع الحصول عليه قد يصل الى (16 مليار دولار ) . ورغم عدم واقعية هذا الامر فأن مايدفع الأخرين الى اقراض العراق في حال توقيع الاتفاق مع صندوق النقد الولي هو الشروط المرافقة للقرض التي سيخضع لها العراق .
يقدر ما تدفعه الخزينة العامة ( عدا مستحقات شركات النفط الاجنبية ) مايزيد عن (6 مليارات دولار ) كفوائد على القروض لعام (2017) .
أي أن ماتقدمة الادارة المالية من حل هو مزيد من الاقتراض لتلبية الحاجات الاساسية والضرورية التي يصعب عليها تأجيلها . مترافقة مع مزيد من ضغط الانفاق الذي يشمل الخفض الفعلي لرواتب شرائح معينة من الموظفين وايقاف التعيين في القطاع الحكومي وأقتصاره على الوظائف الضرورية جداً , والتوسع في فرض وتحصيل الضرائب والرسوم الجمركية , أي مزيد من الانكماش الاقتصادي والتراجع . قبل أكثر من (1400) سنه وجه أحد عظماء هذه الامة والٍ من ولاته أن ( يستعمل مايجبي من حقوق لبيت المال في عمارة الارض والزراعة لانها ستعطي في السنة المالية التالية حقوق أكبر لبيت المال ) . طبعاً هذا في عصر لم يكن فيه اضرابات ولا أحزاب سياسية ولاحسابات لاستخدام الاخطاء في غير محلها , ولكن كان في زمن عجت بهِ الفتن ولم يغب عنه حتى النظرة لأثار متوسطة الاجل لأصول الموارد العامة .
سوف تبقى الموازنة العامة العراقية بعجز ما لم تعدل في هذه المرحلة بعض من سياقات عمل النشاط الاقتصادي الكلي ولن تستمر آثار أي دعم جاد للنشاط الاقتصادي ابعد من مرحلته الاولى , أما في ظل الدورة الأقتصادية فسيتوقف ذلك الأثر , كان للمبادرة الزراعية أثرها الفعلي عند المباشرة بها في سنتها الأولى , ماذا حصل لاحقاً ؟؟؟ أستمر سعر الانتاج الزراعي المحلي أعلى من سعر المعروض الاجنبي وانتهت المبادرة بقروض ميته , وهكذا من المتوقع ان تشهد مبادرة البنك المركزي في محاولة تنشيط القطاعات الأقتصادية عبر الإقتراض الصناعي والزراعي , حيث ستشهد فعلاً مهماً في مرحلتها الاولى ثم تتوقف لاحقاً , أذ أن التبادل في النهاية سيتم على أساس الكلف , فسوف تستورد المكائن بأسعار مدعومة من خلال سعر الصرف الحالي , ثم ماذا عن الواجبات الثانية من الانتاج ؟؟؟ سوف تتم مقارنة اسعارها بأسعار المنتج المستورد ثم نعود للكلام عن حماية المنتوج الوطني مرة أخرى ؟؟؟
في ظل هذا التفشي الواضح للفساد وضعف سلطة القانون في الاطراف , من غير المتوقع تحقيق حماية ادارية للمنتج المحلي طالما أن سعر المستورد لا زال يغطي كلف المجازفة بأيصاله للأسواق العراقية ومن أن يحقق إيرادات ضريبية أو جمركية تؤدي الى تغيير مؤثر في تغطية العجز يختلف عن مساهمتها في السنوات السابقة , وقد تتعافى اسعار النفط بعض الشيء ولكنها لن تغطي هذه الفجوة في الموارد , وتقليص الانفاق وصل الى حدوده المنطقية في ظل الظرف الحالي . وكما أشرنا الى إن الادارة المالية لم تسلك وسيلة لتجاوز هذه المشكلة ( مشكلة عجز الموازنة ) الإ بمزيد من الاقتراض والذي لم يكن كافياً لتغطيته لحد الآن , وما يمكن أن يتحقق الآن من أقتراض بشروط ميسرة سوف لن يكون كذلك بالقروض اللاحقة , فأحد أهم مؤشرات المقرضين , عندما يقرروا الاقتراض , هو حجم المديونية وطريقة السداد الفعلي لها .
سوف لن يكون هناك أية وسيلة فعالة لتغير هذه المعدلات في النشاط الاقتصادي والمالي الا بتغير سعر صرف العملة العراقية , وما كنا نعتقده سابقاً سعراً مناسباً (1500 دينار لكل دولار أمريكي ) لم يعد كافياً الآن . وحتى هذا العلاج سوف تكون خسائره أكبر أذا ما تأخر بل ربما لا يعد فعالاً بعد فترة من الزمن أو في المستقبل القريب .
لا يمكن أنكار آثار ذلك السلبيه ومن المتوقع ان يؤدي الى أرتفاع الاسعار المحلية رغم أن ذلك سيساهم في الاتجاه نحو تنشيط السوق الى التضخم وربما الوصول الى تضخم سريع في بعض السلع المستوردة , ورغم ان ذلك قد يمثل حماية فعلية للمنتج الوطني الذي تشكل الموارد المحلية النسبة الاكبر في أنتاجه ازاء غزو السلع الاجنبية ولكن في ظل وجود سوق يستورد كل شيء لذا سيطول التضخم بلا شك سلع أساسية , لذا كان مقترحنا في مقالات سابقة أن تتسع المواد الموزعة عن طريق البطاقة التموينية لتشمل السلع الثمان الاساسية وان تشمل كافة افراد المجتمع , ومن المتوقع ان لاتزيد كلفة ذلك عن ( 4 مليارات دولار ) سنوياً في ظل ظروف تراجع الاسعار العالمية , سوف يتذرع البعض بأن صندوق النقد الدولي
سيعارض ذلك , إذ إن من مهامه الدفاع عن سياسات الاستقرار في البلدان التي يقرضها والى تخفيض عجز الموازنة فيها من خلال رفع الدعم الذي الذي تقدمه الخزينة العامة الإ للحالات الضرورية جداً , وكذلك تخفيض معدلات التضخم . ولكن مايشهده الاقتصاد العراقي من أنكماش وتراجع في النشاط المحلي امام غزو السلع المستوردة يجعل المهمة أقل تعقيداً , فأن على الصندوق أن يدرك إن سعر الصرف الحالي سعر مدعوم بأمتياز عبر نزيف مستمر من الاحتياطي العراقي من النقد الاجنبي , فهو سعر غير أقتصادي حقيقة والمنطق هو أن يدفع الصندوق الى تعديله على أسس أقتصادية وليس العكس .
سوف يساهم هذا الاجراء الى حد كبير في تنشيط القطاع الزراعي ووالحرفي والصناعات الصغيرة ويقلل من مبررات هروب العملة الاجنبية الى الخارج ويمثل فرصاً لاجتذاب الاستثمارات الخارجية بالاضافة الى مساهمته الجادة في تمويل عجز الموازنة , من خلال السعر الذي ستبيع في الخزينة العامة الدولار النفطي الى البنك المركزي . كما ان الآثار التي لايحبذها الجمهور هو إن العملة الوطنية تمثل أحد رموز الوطن التي يعتز بها أي شعب وقيمة العملة تقاس بسعر صرفها وأعتدنا ان نطلق عليه دينار قوي أو دينار ضعيف , وهذا العبأ النفسي يمكن أن تجاوزه تماماً أذا ما تم رفع الاصفار من العملة العراقية لتصبح قيمة الدينار آنذاك أكبر بكثير من أي تغير في قيمته الاسمية الآن اذا ما اخذ بهذا المقترح .
نحن في أزمة طاحنة ومرة أخرى في ظل الازمات لاتوجد حلول بلا كلف , بل يتم البحث عن أنجح الحلول بأقل الكلف , مع وجوب الانتباه الى أن الزمن لايتيح دائماً نفس فرص الحلول .