تغريدات الدكتور

‏الدكتور عبد الباسط تركي سعيد‏

القائمة البريدية

المرئيات

الموازنة العامة وازمة العجز فيها


29-3-2020 7:53:00 PM

اصبحت وسائل الاعلام في الايام الاخيرة متخمة بتصريحات المسؤولين وغير المسؤولين عن الهلع في وجود عجز في الموازنة. فهل كان هذا العجز مفاجيء؟ وما هو مبرره؟ وهل ان انخفاض الايرادات هو السبب في ذلك ام ان هناك اسباب اخرى تقف وراء ذلك؟ وهل ستقر الموازنة لعام 2014 ام لا؟ وما ضرورة ذلك؟ وابتداءً يجب ان اقول ان مواجهة وحل اية مشكلة بنجاح يتم اولا بتشخيصها وبيان مصادرها وحدود تأثيرها والنتائج المرجوة من حلها وفقا لاولويات اهتمامات الجهات متخذة القرار وبالرجوع الى التساؤلات اعلاه يمكن الاشارة الى ان اكثر من جهة سبق لها ان توقعت حدوث مثل هذا العجز، وقد شخصه ديوان الرقابة المالية الاتحادي في اكثر من مناسبة بما في ذلك تقرير الديوان عن الحسابات الختامية لعام 2010 المرسل الى وزارة المالية ومجلس النواب ومجلس الوزراء، فقد كانت الموازنة تخطط بعجز دائما، حيث تزيد النفقات على الايرادات العامة وكان يعتمد في تغطية هذا العجز على الزيادة المتوقعة من العوائد النفطية (ارتفاع في الاسعار او الانتاج او الاثنين معا) والمدور المتبقي من موارد مالية لم يتم استخدامها من موازنة (مشاريع) السنوات السابقة، كان هذا الاطار من الآلية سيؤدي حتما الى حدوث عجز فعلي لاحق. الاشكالية في الادارة المالية في العراق لما بعد الاحتلال ان دورها اقتصر على الدور التمويلي وبأعتبارها صندوق لتغذية ما يلبي طلبات السلطات العامة من انفاق، وقد لعبت الوفرة النقدية المترتبة على الصادرات النفطية دورها في كفاية تأمين هذه المهمة، بل حتى السلطات التشريعية كانت قد مارست ولاكثر من مرة هذا الدور في زيادة الانفاق وفتح ابواب للصرف اضافة لمقترح مشروع الموازنة العامة الذي يقدم اليها من وزارة المالية عبر مجلس الوزراء، ولاسباب احسن ما يقال عنها انها تلبي اغراض انتخابية. ولذا فمن الناحية الفعلية (اذا استثنينا السلف التي لم تتم تسويتها) فأن جميع الموازنات العامة كانت تنتهي بفائض في نهاية السنة عدا موازنة عام 2009 وكما يوضح الجدول الآتي: جدول رقم (1) الايرادات والنفقات والعجز المخطط والفعلي في الموازنة العامة (مليار دينار) السنة الايرادات النفقات العجز المخطط الفائض او العجز الفعلي 2005 40435 30831 (7023) فائض 9604 2006 49055 37494 (5571) فائض 11561 2007 54965 39308 (9663) فائض 15657 2008 80641 67277 (9086) فائض 13364 2009 55243 55589 (18757) عجز (346) 2010 70178 70134 (22922) فائض 44 2011 103989 78758 (15727) فائض 25231 ان الاعتراض الاول هو ان هذا الاستمرار في التخطيط للموازنة بعجز واقرارها يمثل مخالفة للقواعد التقليدية للموازنة العامة التي تدعو الى استهداف تحقيق التوازن بين كفتي الموازنة واثارهما على الاقتصاد والمجتمع، وان هذا التوجه لزيادة الانفاق المخطط سيؤدي حتما الى عدم الرشادة في الانفاق، باعتبار ان الموازنة العامة هي اجازة للتصرف بالمال العام، واستمرار التوسع في الانفاق المخطط هو بمثابة دعوة لمزيد من الانفاق الفعلي، وعلى هذا الاساس استمرت تقديرات الموازنة العامة بالارتفاع متصاحبة مع كل زيادة في العوائد المالية للصادرات النفطية، وتدني في مستوى الانفاق الفعلي على المشاريع التنموية للموازنة الاستثمارية. جدول رقم (2) نسبة تنفيذ الموازنة الاستثمارية السنوية السنة % 2005 12 2006 14 2007 44 2008 49 2009 62 2010 60 2011 45 2012 54 (تقريبية) كما استمرت الادارة المالية تنظر الى الفضلة المالية المتبقية في صندوق تنمية العراق (DFI) من العوائد النفطية باعتبارها موارد حرة تستطيع التصرف بها في السنة اللاحقة دون ان تأخذ بنظر الاعتبار الالتزامات المترتبة على الموازنة العامة (كالسلف مثلا) لتغطي بها هذه الفضلة. وكأن الادارة المالية قامت بألتزام لمرتين ازاء الدولار الواحد المدور كفضلة نقدية من السنة السابقة. وبالرغم من ان خطر العامل الثاني (استخدام المدور) اقل بكثير من العامل الاول (التخطيط المستمر للعجز) الا انه يكشف عن عدم دراية كافية وعن فهم خاطيء للموارد ولمفهوم الموازنة العامة ودور ادواتها. في ظل وجود ذات السياسة المالية والنمط بالتصرف بالمال العام فقد كنت اتوقع وجود دورة (اقتصادية) للازمة المالية تتقارب آماد حدوثها باستمرار، حيث كانت الفترة الاولى 2004 – 2008 لمدة خمسة سنوات ثم الازمة في عام 2009، والفترة الثانية لمدة اربع سنوات للفترة 2010 – 2014 لتحدث في عام 2015 ثم للمدة 2016 – 2019 لمدة ثلاث سنوات، الا ان الظرف الامني وعدم الاستقرار السياسي نهاية عام 2013 وما تلاها عجل ظهور الازمة في النصف الثاني من عام 2014، حيث كانت هذه المستجدات كفيلة لتبرير مزيد من الانفاق كما هو الحال في ازمات مختلف الاقتصادات، حيث تترافق مواجهة الازمة بأنفاق استثنائي (وان كان بنسب متفاوتة) وهذا ما حدث في العراق فعلا. سبق ان عقد اجتماع في القاعة الدستورية للدورة السابقة لمجلس النواب وقبل اجراء الانتخابات بحضور السادة رئيس المجلس ونائبيه ونواب رئيس مجلس الوزراء بالاضافة لوفد اقليم كردستان الوزراء المعنيين ورؤساء الكتل السياسية في مجلس النواب، وعندها طلبت بشكل واضح ان ينظر بجدية وموضوعية الى مشكلة عجز الموازنة وهذا (التخطيط) غير العقلاني للانفاق وهوس المزيد من الانفاق العام، وان لا تترك الدورة الحالية مزيد من المشاكل للدورة اللاحقة لمجلس النواب. رغم ان ذلك لم يلقَ ارتياح الكثير من الحضور لان ما كان يرغبون به هو فقط مناقشة تصدير النفط من ومع اقليم كردستان، ولكن النظرة المجتزأة الى اية مشكلة لا يؤدي فقط الى الفشل في حلها بل واحيانا يزيد من تعقيدها وهذا ما حدث. ما العمل الآن؟ كيف يجب معالجة وضع موازنة عام 2014 وما السبيل لحل اشكالاتها المالية؟؟ ان النظرة الموضوعية للمعالجة توجب النظر اليها بعيدا عن الاستغلال السياسي بعد ان قادت التجاذبات السياسية عند وضع مشروع الموازنة واقرارها الى ما نحن فيه وان يترك التلاعب بالتخصيصات المالية كرشً للطبقات والشرائح والمناطقيات. رغم ان الازمة ليست بهينة ولكنها في نفس الوقت مناسبة لمراجعة كامل مسيرة ادارة الموارد الاقتصادية واستخدامها بعقلانية. هناك عجز في موارد الموازنة العامة ولكن المشكلة لا تكمن في حجم العجز بل من اسباب ظهوره وطرق النظر اليه، فمثلا يرى البعض الآن ان المعالجة لاشكالات موازنة عام 2014 هو في عدم اصدارها مؤكدين بذلك استمرار الخطأ في النظر الى المشكلة، وازاء ما تقدم، فأن وضع المعالجات لكامل هذه الاشكالية يتأتى من خلال اقتراح الآتي: 1. يجب اصدار قانون الموازنة العامة لعام 2014 فهو من الناحية الشكلية قانون وتشريع وليس اوامر بالانفاق، فالانفاق الفعلي يخضع الى صلاحيات وادارات مختلفة، فأن الموازنة (كما اسلفنا) هي اجازة بتحصيل المال العام واستخدامه وليس صندوق تمويل، وعندما نتكلم عن ذلك الآن ونحن في نهاية عام 2014 فأن التمويل الفعلي قد تم للوحدات العامة وبالتالي فأن هذا الانفاق يجب ان يؤطر بموجب قانون تصدر على اساسه الحسابات الختامية للدولة، فالصلاحية الممنوحة لوزير المالية لتمويل الوحدات بالصرف بمعدل 1/12 من النفقات الفعلية للسنة السابقة هو علاج استثناء لعدم اصدار الموازنة في توقيتاتها وليس سبب لعدم اصدارها اصلا، ويتضمن اصدار قانون الموازنة كشفاً بتفاصيل التخصيصات والمبالغ التي صرفت فعلا خلال هذا العام. 2. في ضوء التقدم التقني الحالي لعمل الجهاز المصرفي فأن اللجوء الى حساب نقدي موحد لحسابات الوحدات الحكومية (هناك لجنة شكلت لهذا الغرض من البنك المركزي ووزارة المالية والامانة العامة لمجلس الوزراء لتحقيق ذلك في حينه) سيتيح مرونة عالية للحكومة للتصرف بالنقد العائد لها والذي يتجاوز مبلغ 15 ترليون دينار في اكثر حالات التقدير تشائما. 3. ان يصدر قانون الموازنة العامة العام متضمنا مادة تخول وزير المالية صلاحية اصدار السندات الحكومية تستخدم لتغطية العجز الفعلي المتوقع حدوثه، اذ بخلاف ذلك لا توجد صلاحية لاحد في اصدار هذه السندات الا بقانون مستقل، وعدم تثبيت هذه الفقرة يقود الى الاعتماد الاساس في تغطية العجز عن الاقتراض الخارجي ومزيد من المديونية والانكشاف للاجنبي. 4. ان يتزامن اصدار الموازنة للسنة الحالية والسنة القادمة في الاقل مع الغاء ومعالجة التشظي الذي شهدته الايرادات السيادية خلال السنوات السابقة واعادتها لتغذية النفقات بشكل مركزي – سيما بعد الاخفاق الواضح في استخدامها الكفء في تلبية احتياجات المواطنين في المحافظات المستفيدة منها. 5. قيام وزارة التخطيط بتحديد المشاريع الاستراتيجية المطلوب تنفيذها في العراق وفقا لدراسات الكفاءة والضرورة وبشكل فني صرف وان يتم التركيز على البنى التحتية، ووضع سلم اولويات للمشاريع التنموية بما في ذلك الخدمية منها وفقا لاوزان معيارية تعدها الوزارة تضمن فيها عدالة توزيع الخدمات بين المواطنين ويترك لمتخذ القرار الاختيار بين هذه الاولويات وادراجها في خطة التنمية متوسطة الاجل، وتستخدم اية زيادة فعلية في ايرادات صادرات النفط لتغطية هذه المشاريع حصرا دفعا لسلم ترتيب هذه المشاريع في الخطة المصادق عليها والابتعاد نهائيا عن التفكير بأصدار موازنة بعجز مخطط او موازنة تكميلية لاستخدام هذه الايرادات. هذا ما اعتقده مهما في وضع خطوة اولى نحو التفكير بشكل واقعي لوضع استراتيجية مستقبلية لتجاوز لازمة. د. عبد الباسط تركي سعيد رئيس ديوان الرقابة المالية الاتحادي سابقا 25/11/2014

السيرة الذاتية للدكتور عبد الباسط تركي


المقالات

تصفح الموقع

الاتصال بنا

الاسم

البريد الالكتروني

الرسالة

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة © 2018