في السياسة الاقتصادية والاختيار بين البدائل
29-3-2020 7:57:42 PM
غادر علم الاقتصاد ومنذ بداية القرن العشرين وبخاصة بعد انتهاء الحرب العالمية النظر الى المشكلة الاقتصادية او فهمها بأنها مجرد محدودية في الموارد الاقتصادية مطلوب منها ان تواجه تعدد في حاجات الانسان رغم ان هذا التشخيص الاولي للمشكلة استر بأعتباره مرجعية مهمة في تفسير الظواهر الاقتصادية او السياسات المترتبة عليها.
فقد اوجد تسارع التقدم الفني والتقني تعدد في اساليب الانتاج واكثر من طريقة في التعامل مع الموارد المحدودة لانتاج نفس السلعة او بديلتها فأصبح توجيه الموارد الى الاستخدامات المختلفة لها وطرق ادارتها اقتصاديا لا يقل اهمية عن اكتشاف وجود الموارد نفسها.
بل ان التجربة الاقتصادية لليابان ما بعد الحرب العالمية اثبتت ان غياب الموارد او محدوديتها لا تمنع من انجاز التقدم الاقتصادي وان توفر الموارد على المستوى القومي بشكل اقتصادي ليس بالشرط الكافي للتقدم الاقتصادي.
فبعد انتهاء الحرب مباشرة قال احدهم ((الآن يجب ان نهزمهم بجنود الياقات الزرقاء)) وهكذا انطلقت اليابان في بناءها الاقتصادي ولتثبت في نفس الوقت ان حسن الادارة الاقتصادية هو الاكثر ضرورة من توفير الموارد طالما ان هذه الادارة تتيح فرص متزايدة من البدائل يمكن الاختيار بينها.
كما ان وجود البدائل وتعددها قد اوجد بالضرورة ربطا مفقودا الى حد ما بالتفكير الجزئي على مستوى المنشأة او المعمل وبين الدراسات التي تعنى بمتغيرات الاقتصاد الوطني الكلية، اذ ان من الطبيعي ان يسعى من يرغب في تعظيم ارباحه الى الوصول لاقل التكاليف واكبر العوائد وهذا الامر يجعله مضطرا للاهتمام بالمحيط الخارجي لمنشآته طالما ان هذا المحيط يهيء البدائل المتاحة التي يمكنها ان تحقق رغباته من خلال استخدام موارد يحدد المحيط وفرتها (او ندرتها) وكفايتها الاقتصادية وبالتالي فلم يعد المنتج الآن مهتما فقط بما يدفعه من ضرائب او ما يستلمه من دعم او اعانات بل ومهتم ايضا في التوجهات العامة للسياسات الاقتصادية الكلية كمعالجات التضخم او التشغيل وتوقعات تغيرات اسعار الصرف وحجم الانفاق العام ... وغيرها.
وفي ظل التشابك القطاعي في الاقتصاد سواء على المستوى النوعي (صناعي، زراعي، بناء وتشييد ... الخ) او على مستوى الادارة (عام ومختلط وخاص) والذي اصبح حقيقة مستمرة مع وجود الحياة في الدولة الحديثة فأن حجب البيانات او المعلومات عن الافراد بالاضافة الى اثرها على كفائتهم الانتاجية فأنها سوف تجعل من الجهات الحكومية متلقية غير كفوءة لبيانات تعتمدها في رسم سياساتها، فتغيّب اشاعة البيانات يعني الغاء لدور الجهات غير الحكومية من تفكير الموظف الحكومي، وتهميش لدورها الرقابي باعتبارها هي من سوف يختبر صحة ودقة هذه المعلومات من خلال الواقع العملي، وهذا يدفع بالمنتجين الافراد الى البحث في دوامة الندرة فقط وتضيق الفرص البديلة ويستمر هؤلاء المنتجون بأعتبارهم جزرا متناثرة في الاقتصاد الوطني لا رابط كفوء بينها، واستمرار هذا التوجه يقود حتى المتخصصين في الاقتصاد او الاستشاريين منهم الى اقتراح خططهم الاقتصادية على اسس كونّها هذا التفكير من خلال الاستمرار بتغييب المعلومات وبالتالي تضييق البدائل.
ويزداد الامر سوءا عندما يفقد الاقتصادي الاهتمام بالاعلان عن ولائه الاجتماعي، عند ذلك سيكون نقاشه في احسن الحالات نقاشا ناقصا ويقدم مشورة غير كفؤة.
فمثلا ينظر الاقتصادي الى الموارد الداخلة في البطاقة التموينية وحركتها على اساس ما سوف تتركه من اثر طارد للانتاج المحلي المشابه او البديل، ورغم ضرورة البطاقة التموينية من الناحية الانسانية او السياسية الا ان النقاش لم يكن يذهب لمعرفة كم يتركه تقليص او تخفيض مادة معينة من حصة المواطن من اثر على السعرات الحرارية التي يحتاجها اصلا.
للمقارنة بين حجم الضرر او النفع الذي يترتب على الاقتصاد او المجتمع من خلال الاختيار بين البدائل في اجراءات السياسة الاقتصادية لان غياب المعلومات من دائرة اهتمام المناقشين قد وصل الى حد مناقشة هذه البدائل بشكل عمومي في حين تزداد الحاجة دائما في السياسات التطبيقية الى تفاصيل اكثر دقة لبناء القرار على اساسها.
وعند ذلك يصبح المحاسبون هم الاكفأ كمستشارين وليس الاقتصاديين، اذ ان للمحاسب القدرة على تقديم المشورة لمتخذ القرار في ظل معلومات محدودة وفي ظرف آني وبشكل دقيق طالما هو غير معني كثيرا في البحث عن البدائل الاخرى في حين يستمر تراجع دور الاقتصادي تراجعا يحرم الاقتصاد من فرص قد تساهم في انطلاقه او معالجة بعض اختناقاته.
وان غياب انتشار اليانات والمعلومات يقلل من فرص السياسات البديلة سواء للافراد او للحكومات وبالتالي كفاءة هذه السياسات.
11/1/2015